﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (٢٧) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (٣٠) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (٣١) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (٣٢) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (٣٣)﴾:
قوله عز وجل: ﴿أَمِ السَّمَاءُ﴾ رفع بالابتداء، وعطف على (أنتم)، وخبره محذوف دل عليه خبر (أنتم)، أي: أم السماء أشد. و ﴿خَلْقًا﴾ تمييز، و ﴿بَنَاهَا﴾ مستأنف وليس على تقدير (التي)، لأن حذف الموصول وإقامة الصلة مقامه غير جائز عند أصحابنا البصريين، ولا يحسن أن يكون حالًا أيضًا كما زعم بعضهم (١) لعدم الفائدة من جهة المعنى عند من تأمل، فهو مستأنف ليس إلا، كأنه قيل: كيف خلقها؛ فقيل: كيت وكيت.
فإن قلت: قد ذَكَرْتَ الحال وأشرتَ إليها ولم تبين لنا ذا الحال. قلت: ذو الحال المنوي في ﴿أَشَدُّ﴾ المحذوف المحكوم عليه بخبر السماء.
وقوله: ﴿وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا﴾ أي: أظلم ليلها، أي: جعل ليلها مظلمًا، يقال: أغطش الله الليل، أي: أظلمه، وأغطش الليل أيضًا بنفسه، يتعدى ولا يتعدى كأظلم، يقال: ظلِم الليل بكسر اللام، وأظلم، وأظلمه الله.
وقوله: ﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ﴾ الجمهور على نصب (الأرضَ)، ونصبها بإضمار فعل، أي: ودحا الأرض بعد ذلك، أي بعد بناء السماء، وقيل: مع ذلك. وقيل: قبل ذلك، فحذف دحا وجعل ﴿دَحَاهَا﴾ تفسيرًا له، وهذا معنى قول النحاة: إضمار على شريطة التفسير (٢).
وقرئ: (والأَرْضُ) بالرفع (٣)، ورفعها بالابتداء، والخبر ﴿دَحَاهَا﴾.
(٢) انظر الكشاف ٤/ ١٨٣.
(٣) قرأها الحسن كما في مختصر الشواذ / ١٦٨/. والكشاف ٤/ ١٨٣. والمحرر الوجيز ١٦/ ٢٢٥. وأضافها ابن عطية إلى عيسى أيضًا. وانظر الإتحاف ٢/ ٥٨٧.