وكذا القول في قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ﴾ إلى ﴿هِيَ الْمَأْوَى﴾ في جميع ما ذكرت.
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (٤٣) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (٤٤) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (٤٥) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (٤٦﴾:
قوله عز وجل: ﴿أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾ (مرساها) مبتدأ خبره ﴿أَيَّانَ﴾، وهو ظرف بمعنى (متى)، وهو مبني لتضمنه معنى حرف الاستفهام، والاسم إذا تضمن معنى الحرف بني في الأمر العام، وفي الكلام حذف مضاف، أي: متى وقت إرسائها؟ فحذف المضاف لحصول العلم به، ويجوز أن يكون ﴿مُرْسَاهَا﴾ اسمًا لزمان الإرساء، لأن مُفْعَلًا قد يأتي للمصدر ولزمان الفعل من أفعل، فلا حذف على هذا في الكلام فاعرفه.
وقرئ: (إيّان) بكسر الهمزة، وهي لغية، وقد ذكر فيما سلف من الكتاب (١).
وقوله: ﴿فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا﴾ (أنت) مبتدأ، وفي خبره وجهان:
أحدهما: ﴿فِيمَ﴾، والمعنى: في أي شيء أنت من ذكراها؟ أي: مِن أن تذكر وقتها لهم، أي: لست من ذكر الساعة في شيء، يعني أن ذكر وقت قيامها قد طواه الله عنك وعن سائر البشر، عن عائشة رضي الله عنها: "لم يزل رسول الله - ﷺ - يذكر الساعة ويسأل عنها حتى نزلت" (٢).
والثاني: ﴿مِنْ ذِكْرَاهَا﴾ على أن الكلام تم عند قوله: ﴿فِيمَ﴾ على أن ﴿فِيمَ﴾ إنكار لسؤالهم، أي: فيم هذا السؤال؟ ثم ابتدأ جل ذكره فقال:
(٢) أخرجه الطبري ٣٠/ ٤٩. وعزاه الحافظ في تخريج أحاديث الكشاف/ ١٨١/ إلى إسحاق، وابن مردويه، والحاكم.