قوله عز وجل: ﴿فَلَا أُقْسِمُ﴾ يجوز أن تكون (لا) صلة، وأن تكون ردًّا لكلام سابق، أي: ليس الأمر كما تزعمون أيها الكفرة، ثم ابتدأ جل ذكره فقال: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾.
﴿وَاللَّيْلِ﴾: عطف على (الخنس)، وكذا (الصبح) عطف أيضًا، والعامل في (إذا) معنى القسم. و ﴿إِذَا﴾ وما بعدها في موضع الحال، أي: أقسم بالليل مدبرًا أو مقبلًا، وبالصبح مضيئًا. وجواب القسم قوله: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ﴾ والضمير في ﴿إِنَّهُ﴾ للقرآن وإن لم يجر له ذكر لحصول العلم به، وقد وصف هذا الرسول بأوصاف شتى إلى قوله: ﴿أَمِينٍ﴾.
﴿ثَمَّ﴾ ظرف مكان، وهو معمول ﴿مُطَاعٍ﴾ أي: هناك، وقرئ: (ثُمَّ) بضم الثاء (١) تعظيمًا للأمانة وبيانًا، لأنها أفضل صفاته المعدودة، قاله الزمخشري رحمه الله (٢).
(والخنس): جمع خانس، وهو المتأخر بالخفاء وعدم الظهور.
﴿الْكُنَّسِ﴾: جمع كانس، وهو الداخل في الكِناس المستتر به، (والجواري): جمع جارية التي تجري في أفلاكها، والمراد بالكل النجوم كلها من الخنس وغيره. وقيل: هي من جملة النجوم: زحل، والمشتري، والمريخ، والزهرة، وعطارد، وهذا عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه (٣). وقيل غير هذا، ولا يليق ذكره هنا.
{وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (٢٤) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (٢٥) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦) إِنْ هُوَ إِلَّا
(٢) الكشاف ٤/ ١٩١.
(٣) انظر جامع البيان ٣٠/ ٧٤ - ٧٥. والنكت والعيون ٦/ ٢١٦. والقرطبي ١٩/ ٢٣٦.