تعجبًا، كقوله تعالى: ﴿فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ﴾ (١) وغَرَّ لازم من الغِرَّةَ، وهي الغفلة، والغار: الغافل، من قولهم: بَيَّتَهُمُ العدو وهم غارون، وأغره غيره، أي: جعله غارًا، والمعنى: ما الذي دعاك إلى الاغترار به؟
وقوله: ﴿فَعَدَلَكَ﴾ قرئ: بتشديد الدال (٢)، ومعناه: قَوَّمَ خَلْقَكَ فصيّرك معتدلًا متناسب الخلق من غير تفاوت فيه.
وقرئ بتخفيفها (٣)، وفيه وجهان: أحدهما: بمعنى المشدد، أي: عَدّل بعضك ببعض فكنت معتدل الخِلقة متناسبها لا تفاوت فيها. والثاني: بمعنى صرفك عن الخلقة المكروهة، يقال: عَدَله عن الطريق.
وقوله: ﴿فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ جُوِّزَ أن تكون (ما) هنا صلة، فـ ﴿شَاءَ﴾ على هذا في موضع جرٍ على أنه نعت لـ ﴿صُورَةٍ﴾، و ﴿فِي أَيِّ صُورَةٍ﴾ من صلة ﴿رَكَّبَكَ﴾ على معنى: وضعك في بعض الصور ومكنك فيه، وقد جوز أن يكون من صلة محذوف، أي: ركبك حاصلًا في بعض الصور، فيكون في موضع الحال، وأن تكون شرطية فـ ﴿شَاءَ﴾ على هذا في موضع جزم لكونه فعل الشرط، وكذا ﴿رَكَّبَكَ﴾ في موضع جزم أيضًا لكونه جزاء الشرط، والتقدير والمعنى: ما يشاء من الصور يركبك، ومحل الجملة الجر على النعت.
فإن قلت: أين العائد من الصفة إلى الموصوف على التقديرين: جَعَلْتَ ﴿مَا﴾ صلةً أو شرطيةً؟ قلت: محذوف تقديره إن جعلت ﴿مَا﴾ صلة: ركبك في أي صورة شاءها، وإن جعلتها شرطية تقديره: ركبك عليها.

(١) سورة البقرة، الآية: ١٧٥.
(٢) هذه قراءة غير الكوفيين وأبي جعفر كما سوف أخرج.
(٣) قرأها الكوفيون الأربعة ومعهم أبو جعفر. انظر السبعة/ ٦٧٤/. والحجة ٦/ ٣٨٢. والتذكرة ٢/ ٦١٨. والمبسوط/ ٤٦٥/. ولم يذكر ابن الجزري ٢/ ٣٩٩. والبنا في الإتحاف ٢/ ٥٩٤ أبا جعفر في هذه القراءة. وذكرها له ابن عطية ١٦/ ٢٤٦ أيضًا.


الصفحة التالية
Icon