فإن قلتَ: قد ذكرتَ أن قوله: ﴿فِي أَيِّ صُورَةٍ﴾ من صلة ﴿رَكَّبَكَ﴾ على قول من جعل ﴿مَا﴾ صلة، وسكتَّ على قول من جعلها شرطية، لا بل من صلة محذوف يدل عليه ﴿رَكَّبَكَ﴾، فَبَيِّنْ بعدُ هل هو من صلة ﴿رَكَّبَكَ﴾ أم لا؟ قلتْ تَحَصَّلَ عندنا شبهةٌ فبين لنا، ولا يجوز أن يكون من صلة ﴿رَكَّبَكَ﴾ لأن ما كان من صلة الشرط لا يتقدم عليه، ألا ترى أنك إذا قلت: إن تضرب زيدًا أضرب عمرًا، لا يجوز تقديم عمروٍ على إنْ، وإذا كان كذلك وجب أن يكون من صلة محذوف. ولا يجوز أن يكون من صلة (عدلك) لأنه استفهام، والاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، اللهم إلا أن يجعل ﴿فِي أَيِّ﴾ بمعنى التعجب، على معنى: فعدلك في صورة عجيبة، ثم ابتدأ جل ذكره فقال: ﴿مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾.
وقوله: ﴿كِرَامًا﴾ نعت. وكذا ﴿كَاتِبِينَ﴾. وكذا ﴿يَعْلَمُونَ﴾ صفة أو حال، والموصوف محذوف وهم الملائكة، وصفهم جل ذكره بكونهم حافظين، لحفظهم الأعمال، ولكونهم كرامًا، لكرامتهم على الله لجدهم في طاعته، وبكونهم كاتبين، لأنهم يكتبون أعمال بني آدم ويثبتونها على علم منهم.
﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (١٥) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (١٦) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩)﴾:
قوله عز وجل: ﴿يَصْلَوْنَهَا﴾ صفة لـ ﴿جَحِيمٍ﴾، أو حال من المنوي في الخبر، و ﴿يَوْمَ الدِّينِ﴾ ظرف له.
وقوله: (يومُ لا تملكُ) قرئ: بالرفع (١)، ورفعه من وجهين: إما على البدل من ﴿يَوْمَ الدِّينِ﴾، أو خبر مبتدأ محذوف، وذلك أنه لما قال: {وَمَا

(١) قرأها البصريان، وابن كثير كما سوف أخرج.


الصفحة التالية
Icon