المحل متصلًا في التقدير عائدًا إلى الناس، والتقدير: كالوا لهم، أو وزنوا لهم، فحذف الجار وأوصل الفعل فصار بمنزلة ضربوهم، والأصل كالوا لهم المبيع، فحذف المفعول به لحصول العلم به. وأن يكون ضميرًا مرفوعًا منفصلًا مؤكدًا لضمير الفاعل عائدًا إلى المطففين، أي: كالوا هم أو وزنوا هم، كما تقول: قاموا هم، أو قعدوا هم.
والوجه هو الأول، وعليه الحُذَّاق من النحاة محتجين بأن قبله ﴿إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ﴾، فيجب أن يكون بعده: وإذا كالوا لهم، والمعنى: إذا أخذوا من الناس استوفوا، وإذا تولوا الكيل أو الوزن هم على الخصوص أخسروا، وهو كلام متنافر، لأن الحديث واقع في الفعل لا في المباشِر، فاعرفه فإن فيه أدنى غموض.
وأيضًا فإن الضمير لو كان مرفوعًا مؤكدًا لوجب أن يكون في الإمام مصحف عثمان رضي الله عنه بعد الواو ألف مشيًا على أصلهم (١)، ولا ألف فيه.
وقوله: ﴿يُخْسِرُونَ﴾ يتعدى إلى مفعولين، بشهادة قوله جل ذكره: ﴿خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ﴾ (٢) فعداه إلى مفعول كما ترى، والفعل إذا كان يتعدى إلى مفعول واحد ونقل بالهمزة تعدى إلى مفعولين، وكلاهما هنا محذوف، أي: يخسرونهم ذاك.
وقوله: ﴿أَلَا يَظُنُّ﴾ الهمزة للاستفهام دخلت على (لا) النافية، وليست (أَلَا) هنا للتنبيه كالتي في قوله تعالى: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ﴾ (٣) لأن ما بعد تلك ثَمَّ مثبت، وهنا منفي، أي: لا يظنون أنهم مبعوثون، والظن هنا بمعنى العلم.

(١) في خط المصحف، لأنهم كتبوا ما شابههما من الأفعال بالألف.
(٢) سورة الحج، الآية: ١١.
(٣) سورة البقرة، الآية: ١٣.


الصفحة التالية
Icon