وقوله: ﴿ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ القائم مقام الفاعل مصدر، وهو القول، دل عليه فعله، أي: يقال قولٌ هو هذا الذي كنتم به تكذبون. وقيل: هو الجملة عينُها، عن صاحب الكتاب رحمه الله (١)، وهذا فيه نظر، لأن الجملة لا تكون فاعلة، فكيف تقام مقام الفاعل.
﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (١٩) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (٢٠) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (٢١)﴾:
قوله عز وجل: ﴿إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ﴾ اختلف في ﴿عِلِّيِّينَ﴾، فقيل: اسم مكان، يعضده قوله - ﷺ -: "إنكم ترون أهل عليين كما ترون الكوكب الدري في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم" (٢). سمي بذلك لارتفاعه.
قال أبو إسحاق: هو أعلى الأمكنة (٣).
وقال الفراء: هو ارتفاع بعد ارتفاع لا غاية له (٤).
وقيل: إن ﴿عِلِّيِّينَ﴾ صفة للملائكة (٥).
فإذا فهم هذا فاختلفت النحاة فيه، فقال قوم: جُمع جمع السلامة لتكرره، تقول العرب إذا أصابها المطرُ بعدَ المطرِ: أصابنا الوابلون، وهو على هذا جَمْعُ عِلْيٍ، فِعِّيل من العُلْو، كَسِجِّين من السِجْنِ. وقال آخرون:

(١) انظر الكتاب ٣/ ١١٠. وإعراب النحاس ٣/ ٦٥٤. والمشكل ٢/ ٤٦٤.
(٢) كذا هذا الحديث في البيان ٢/ ٥٠١. وذكره القرطبي ١٩/ ٢٦٣ دون الجملة الأخيرة، ولم أجده في مصدر آخر، وفي الصحيح من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - عن النبي - ﷺ - قال: إن أهل الجنة يتراءيون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق. أخرجه البخاري في بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة (٣٢٥٦).
(٣) معانيه ٥/ ٢٩٩.
(٤) معانيه ٣/ ٢٤٧.
(٥) ذكره النحاس ٣/ ٦٥٥. ومكي ٢/ ٤٦٤.


الصفحة التالية
Icon