وقوله: ﴿وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى﴾ عطف أيضًا على ﴿أَلَّا تَزِرُ﴾ على معنى: أن المذكورات كلها في الصحف، و ﴿يُرَى﴾ خبر ﴿وَأَنَّ﴾ وهو من رؤية العين، وفيه ضمير يعود على اسمها وهو السعي.
والقرّاء على ضم الياء وهو الوجه، لأجل العائد من خبر ﴿أَنَّ﴾ على اسمها، وأجاز أبو إسحاق (١): (سوف يَرى) بفتح الياء على إضمار الهاء، أي: سوف يراه، وفي الكلام حذف مضاف، أي: سوف يرى جزاءه، لا بد من هذا التقدير، لأنَّ سعيه حركاتُه وعملُه، وذلك قد انقضى.
وأجازه المبرد أيضًا، أعني فتح الياء، وقال: لأن عمل ﴿أَنَّ﴾ في ﴿سَعْيَهُ﴾ يدل على الهاء المحذوفة من (يرى) (٢) ومنعه أهل الكوفة، وقالوا: لأنَّ ﴿سَعْيَهُ﴾ يصير معمول ﴿أَنَّ﴾ و (يرى)، ولم يجيزوا: إنَّ زَيْدًا ضَربْتُ، لأنه لا يعمل في زيد عاملان، وأجازه البصريون على إضمار الهاء، أي: ضربته (٣).
وقوله: ﴿ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى﴾ (جزى) فعل يتعدى إلى مفعولين، بشهادة قوله جل ذكره: ﴿وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا﴾ (٤)، فعداه إلى مفعولين كما ترى. وأحد المفعولين هو القائم مقام الفاعل، والثاني: الهاء، والتقدير: ثم يُجزى الإنسانُ سَعْيَهُ، أي: جزاء سَعْيِهِ، فحذف المضاف، والمضاف إليه على هذا هو المفعول الثاني لأمرين:
أحدهما: أنه قد وُصف بالأوفى، وذلك من صفة المجزيّ به لا من صفة الفعل، تسميةً للمفعول بالمصدر، كضَرْبِ الأمير، وصَيْدِ الصائدِ.
(٢) انظر قول المبرد في إعراب النحاس ٣/ ٢٧٤ ومشكل مكي ٢/ ٣٣٣.
(٣) انظر مذهب الكوفيين والبصريين في إعراب النحاس، ومشكل مكي الموضعين السابقين.
(٤) سورة الإنسان، الآية: ١٢.