وعن الكسائي: (وما خَلَقَ الذكرِ والأنثى) بجر الذكر والأنثى (١)، على أنه بدل من محل (مَا)، وقد ذكرت آنفًا أن (مَا) في موضع جر بالعطف على المجرور بحرف القسم، و (مَا) مع الفعل بتأويل المصدر، والتقدير: وخَلْقِ اللهِ الذكرِ والأنثى، أي: ومخلوقه، تسمية للمفعول بالمصدر، كضرْبِ الأمير، وصَيْدِ الصائد، تعضده قراءة من قرأ: (والذكرِ والأنثى) بالجر بغير (ما) وهو النبي - ﷺ -، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، وأبو الدرداء، وابن عباس رضي الله عنهم أجمعين (٢).
قيل: وجاز إضمار اسم الله جل ذكره لأنه معلوم، لانفراده بالخلق إذ لا خالق سواه.
وقوله: ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾ هذا جواب القسم، و (شتى) جمع شتيت، كمرضى وجرحى في جمع مريض وجريح، والشتيت: المتباعد والمتفرق، مأخوذ من الشتات وهو التفرق، يقال: شَتَّ الأمرُ شتًّا وشَتَاتًا، أي: تفرق، وعن بعض الإعراب: الحمد لله الذي جمعنا من شَتٍّ (٣). وإنما أخبر جل ذكره عن السعي - وهو واحد - بشتى - وهو جمع - لأن السعي مصدر، والمصدر جنس، والجنس يدل على الكثرة، ثم إنه مضاف إلى الجمع، فهو جمع في المعنى، فكأنه قيل: إن مساعيكم لشتى، والمعنى: إن عملكم اختلف في الجزاء، فلا يستوي عمل المؤمن والكافر، والمطيع والعاصي، فكأنه قيل: إن عملكم لمتباعدٌ بعضه من بعض، لكون بعضه ضلالًا وبعضه
(٢) انظر قراءتهم في معاني الفراء ٣/ ٢٧٠. وجامع البيان ٣٠/ ٢١٧. وإعراب النحاس ٣/ ٧١٧. ومختصر الشواذ/ ١٧٤/. والمحتسب ٢/ ٣٦٤. ومعالم التنزيل ٤/ ٤٩٤. والكشاف ٤/ ٢١٦ - ٢١٧. والمحرر الوجيز ١٦/ ٣١٦.
(٣) الصحاح (شتت).