و ﴿رِحْلَةَ﴾: نصب بأنه مفعول به لـ ﴿إِيلَافِهِمْ﴾ الثاني على ما ذكر قبيل من القولين في الإيلاف، وأراد رحلتي الشتاء والصيف، فأفرد لأمن الإلباس. والرِّحلة بالكسر: الارتحال، يقال: دنت رِحلتنا. وبالضمِ: الجهة التي يرحل إليها، وبالضم قرأ بعض القرآء (رُحلة الشتاء) (١)، والجمهور على الكسر.
﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (٤)﴾:
قوله عز وجل: ﴿أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ اختلف في ﴿مِنْ﴾ هنا، فقيل: هو على بابه، والمعنى: أطعمهم من أجل جوعهم (٢).
وقيل: ﴿مِنْ﴾ بمعنى: بَعْدَ، أي: أطعمهم بعد الجوع الذي أصابهم في سِني القحط حتى أكلوا العِلْهِز والجيف (٣).
وقيل: ﴿مِنْ﴾ بمعنى (عن) (٤)، وقال صاحب الكتاب رحمه الله: الفرق بين عن ومن أن (عن) تقتضي حصول جوع وقد زال بالإطعام، و (من) تقتضي المنع من لحاق الجوع. والمعنى على هذا: أطعمهم فلم يلحقهم جوع، وآمنهم فلم يلحقهم خوف، و ﴿مِنْ﴾ على قوله لابتداء الغاية، والمعنى: أطعمهم في بدء جوعهم قبل لحاقه إياهم، وآمنهم في بدء خوفهم قبل اللحاق، فاعرفه فإنه موضع.
وبعد: فقد قرئ: (لإيلاف قريش إيلافهم) بإثبات ياء بعد الهمزة فيهما بوزن (عيلاف) وكلاهما مصدر آلف وقد ذكر، وقرئ: (لإلاف قريش) بغير

(١) قرأها أبو السمّال كما في مختصر الشواذ / ١٨٠/. والبحر ٨/ ٥١٤. والدر المصون ١١/ ١١٧.
(٢) انظر التبيان ٢/ ١٣٠٥. والبحر ٨/ ٥١٥. والدر المصون ١١/ ١١٧.
(٣) انظر معاني الفراء ٣/ ٢٩٤. وزاد المسير ٩/ ٢٤١. والعِلهز بالكسر: طعام كانوا يتخذونه من الدم ووبر البعير في سني المجاعة. (الصحاح: علهز).
(٤) انظر الكتاب ٤/ ٢٢٦ - ٢٢٧.


الصفحة التالية
Icon