والثاني: أن ما كان في صلة النفي لا يتقدم عليه عند جميع النحاة.
وإذا كان كذلك ثبت أنها مصدرية في موضع جر بدل من (شرٍّ) والتقدير: من شَرٍّ مِن خَلْقِه، أو صلة و ﴿خَلَقَ﴾ في موضع جر على أنه صفة (شرٍّ)، أي: من شرٍ خَلَقَهُ.
وقوله: ﴿وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ﴾ الغُسوق: الإظلام، يقال: غَسَقَ الليْلُ يَغْسِقُ غسُوقًا، إذا أقبل ظلامه، وكل شيء اسْوَدَّ فقد غسق.
والوُقُوب: الدخول، يقال: وَقَبَ يَقِب وُقُوبًا وَوَقْبًا أيضًا، إذا دخل.
وقوله: ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ (النفاثات) النساء السواحر اللاتي يَعْقِدْنَ في خيوطٍ وينفثن عليها. والنفث: النفخ بلا ريق بخلاف التفل، وقيل: مع ريق. والعُقَدُ: جمع عُقْدة، وهي التي يعقدها السواحر على الخيط أو الشَّعَر إذا سحرن. رُوي أنهن نساء سحرن النبي - ﷺ - في إحدى عشرة عقدة، فأنزل الله تعالى المعوذتين إحدى عشرة آية (١).
وقوله: ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ حَسَدَ يَحْسُدُ حَسَدًا وحُسُودًا وحَسَادَةً، إذا تمنى زوال النعمة عن صاحبها.
الزمخشري: فإن قلت ﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾ تعميم في كل ما يستعاذ منه، فما معنى الاستعاذه بعده من الغاسق والنفاثات والحاسد؟ قلت: قد خص شر هؤلاء لخفاء أمره، وأنه يلحق الإنسان من حيث لا يعلم. فإن قلت: فلم عرّف بعض المستعاذ منه ونكّر بعضه؟ قلت: عُرِّفَتِ النفاثات لأن كل نفاثة شريرة، ونكر غاسق لأن كل غاسق لا يكون فيه الشر، إنما يكون في بعض دون بعض، وكذلك كل حاسد لا يضر، ورُبَّ حَسَدٍ محمودٍ، وهو الحسد في الخيرات. انتهى كلامه (٢).
(٢) الكشاف ٤/ ٢٤٤.