وقال آخرون: هو من الأُنس الذي هو ضد الوحشة، لأنه يؤنس به (١).
وقال بعضهم: من النسيان (٢)، وهو على وزن فاعل منه، وأصله الناسي، بياء في آخر الكلمة على فاعل، من نسي ينسى، فحذف الياء منه حذفًا. وقيل: هو على وزن فلع، وأصله: نَيسٌ، مقلوب من نسي ينسى، فقلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فبقي ناس، ولذلك أماله بعض القراء في الأحوال الثلاث: الرفع والنصب والجر (٣)، والوجه ما ذهب إليه صاحب الكتاب وموافقوه، وقد مضى موضحًا فيما سلف من الكتاب (٤).
وقوله: ﴿مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلَهِ النَّاسِ (٣)﴾ كلاهما نعت للرب، أو بدل منه.
الزمخشري: هما عطف بيان له، كقولك: سيرة أبي حفص عمر الفاروق، بُيِّنَ بملك الناس، ثم زِيد بيانًا بـ ﴿إِلَهِ النَّاسِ﴾، لأنه قد يقال لغيره: رب الناس، كقوله: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ (٥) وقد يقال: ملك الناس، وأما ﴿إِلَهِ النَّاسِ﴾ فخاص لا شركة فيه، فجعل غاية للبيان. فإن قلت: هلا اكتُفي بإظهار المضاف إليه مرة واحدة؟ قلت: لأن عطف البيان للبيان، فكان مظنة للإظهار دون الإضمار، انتهى كلامه (٦).
وقوله: ﴿مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ﴾ اختلف في الوسواس، فقيل: هو اسم بمعنى الوسوسة، كالزلزال بمعنى الزلزلة، وأما المصدر فوسواس بالكسر
(٢) هذا قول الكوفيين كما في البيان ٢/ ٥٥٠
(٣) المنصوص عليه في القراءة الصحيحة أن إمالة النون من (الناس) في موضع الخفض، ولا يمال في الرفع أو النصب، وبالإمالة قرأ الأعشى، والكسائي، وأبي عمرو في رواية عنهما. انظر السبعة / ٧٠٣/. والحجة ٦/ ٤٦٦. والتذكرة ٢/ ٦٥٥.
(٤) عند إعراب الآية (٨) من البقرة. وانظر المسألة مبسوطة في الإنصاف ٢/ ٨٠٩ - ٨١٢.
(٥) سورة التوبة، الآية: ٣١.
(٦) الكشاف ٤/ ٢٤٥.