وقوله: ﴿بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾. قرأها معظم قراء الكوفة ﴿يَكْذِبُونَ﴾. وقرأها قراء أهل المدينة والحجاز والبصرة ﴿يُكْذِّبُونَ﴾.
قال الحافظ ابن كثير: (وقد كانوا متصفين بهذا وهذا، فإنهم كانوا كَذَبة ويكذبون بالحق).
قال الإمام مالك: (وإنما كف رسول الله - ﷺ - عن المنافقين ليبيّن لأمته أن الحاكم لا يحكم بعلمه، إذ لم يُشْهد على المنافقين).
وقال الشافعي: (وإنما منع رسول الله - ﷺ - من قتل المنافقين ما كانوا يظهرونه من الإسلام مع العلم بنفاقهم).
وقد ذهب إلى ذلك الإمام القرطبي في التفسير فقال: (إنما لم يقتلهم مصلحة لتأليف القلوب عليه لئلا تنفر عنه، وقد أشار - ﷺ - إلى هذا المعنى بقوله لعمر: "معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي" أخرجه البخاري ومسلم).
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ﴾.
أما قوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ﴾ - ففيه تأويلان:
التأويل الأول: لم يجئ هؤلاء بعد. فعن سَلْمان الفارسي رضي الله عنه قال: (ما جاء هؤلاء بعد، الذين ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾).
التأويل الثاني: هم المنافقون. فعن ابن عباس: (هم المنافقون. أما ﴿لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ﴾ فإن الفساد هو الكفر والعملُ بالمعصية).
وعن الرَّبيع: (﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ﴾ يقول: لا تعصوا في الأرض ﴿قَالوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾، قال: فكان فسادُهم ذلك معصيةَ الله جل ثناؤه، لأن من عصى الله في الأرض أو أمر بمعصيته، فقد أفسدَ في الأرض، لأن إصلاحَ الأرض والسماء بالطاعة).
واختار ابن جرير أنها نزلت في المنافقين على عهده - ﷺ - وتشمل كل من شابههم في النفاق إلى يوم القيامة. ثم قال: (وقد يَحْتَمِل قولُ سلمان عند تلاوة هذه الآية: "ما جاء هؤلاء بعد"، أن يكون قاله بعد فناء الذين كانوا بهذه الصفة على عهد رسول الله - ﷺ -).


الصفحة التالية
Icon