وقوله: ﴿وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ﴾. قال ابن كَيْسان: (يقال: ما على من لم يعلم أنه مفسد من الذم، إنما يذم إذا علم أنه مفسد ثم أفسد على علم. قال: ففيه جوابان: أحدهما - أنهم كانوا يعملون الفساد سرًّا ويظهرون الصلاح وهم لا يشعرون أن أمرهم يظهر عند النبي - ﷺ -. والوجه الآخر: أن يكون فسادهم عندهم صلاحًا وهم لا يشعرون أن ذلك فساد، وقد عصوا الله ورسوله في تركهم تبيين الحق واتباعه).
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (١٣)﴾.
قال ابن عباس: (وإذا قيل لهم صدقوا كما صدق أصحاب محمد، قولوا: إنه نبي ورسول، وإن ما أنزل عليه حق، وصدِّقوا بالآخرة، وأنكم مبعوثون من بعد الموت). قال: (يقولون: أنقول كما تقول السفهاء؟ يعنون أصحاب محمد - ﷺ - لخلافهم لدينهم).
وعن ابن مسعود وناس من أصحاب النبي - ﷺ -: (﴿قَالوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ﴾، يعنون أصحاب النبي - ﷺ -).
وقال زيد بن أسلم: (هذا قول المنافقين، يريدون أصحاب النبي - ﷺ -).
وأصل السّفه في لغة العرب: الخِفّة والرّقة. قال الرازي: (السَّفه: ضد الحلم وأصله الخِفة والحركة). والسفيه: هو الجاهل الضعيف الرأي القليل المعرفة بمواضع المصالح والمضار. فأراد المنافقون القول: (أنصير نحن وهؤلاء بمنزلة واحدة وعلى طريقة واحدة وهم سفهاء؟ ) فكذبهم الله سبحانه بقوله:
﴿أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (١٣)﴾.
قال ابن عباس: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ﴾، يقول: الجهال، ﴿وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ﴾، يقول: ولكن لا يعاقلون).
قال القرطبي رحمه الله: (وهذا القول من المنافقين إنما كانوا يقولونه في خفاء واستهزاء، فأطلع الله نبيّه والمؤمنين على ذلك، وقرّر أن السَّفه ورِقّة الحُلُوم وفساد البصائر إنما هي في حيِّزهم وصفة لهم، وأخبر أنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون للرَّيْن الذي على قلوبهم).