الفُرقة، ومن الأمن إلى الخوف، ومن السنة إلى البدعة).
قال القرطبي: (أسند تعالى الربح إلى التجارة على عادة العرب في قولهم: رَبحَ بيعُكَ، وخسِرَت صفقتُك.. أي فما ربحوا في تجارتهم).
قال القاسمي: (وفائدته: المبالغة في تخسيرهم، لِما فيه من الإشعار بكثرة الخسار).
وقوله: ﴿وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ إشارة لعدم اهتدائهم لطرق التجارة كما يهتدي إليه التجار البصراء، بل كانوا تجارًا فاشلين لا يصلحون للتصدي لها وتحقيق الأرباح. والمراد أنهم ما كانوا رُشداء في اختيارهم الضلالة على الهدى، واستبدالهم الكفر بالإيمان، واشترائهم النفاق بالتصديق والإقرار- كما أفاد ابن جرير.
وقيل: ﴿وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ أي في سابق علم الله. ذكره القرطبي.
وقيل: ﴿وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ أي: لزوال استعدادهم، وتكدير قلوبهم بالرَّين الموجب للحجاب والحرمان الأبدي. ذكره القاسمي.
وقوله تعالى: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾.
شبه الله سبحانه المنافقين حين اشتروا الضلالة بالهدى وصاروا بعد البصيرة إلى العمى بمن استوقد نارًا فأضاءت له وانتفع بها وأبصر بها ما غيّبه الظلام من حوله وتأنَّس بها، فبينا هو كذلك إذْ طفئت ناره وعاد إلى الظلام الشديد، فلا يبصر ولا يهتدي. ثم شبه المنافقين أنهم باشترائهم الضلالة بالهدى كالصم لايسمعون وكالبكم لا ينطقون وكالعُمي لا يبصرون طريقهم.
فقوله تعالى: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ﴾ نزل في المنافقين، فإلى ذكر أقوال علماء التفسير وأعلامه:
القول الأول: عن ابن عباس قال: (أي يبصرون الحق ويقولون به، حتى إذا خرجوا به من ظلمة الكفر أطفؤوه بكفرهم به ونفاقِهم فيه، فتركهم في ظلمات الكفر، فهم لا يبصرون هدى ولا يستقيمون على حق).