٢١ - ٢٢. قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢)﴾.
في هذه الآيات: تذكير الله تعالى عباده أنه الخالق وحده لهم ولمن قبلهم، وأنه تعالى وحده ممهد الأرض ورافع السماوات ومنزل المطر ومخرج الثمار لعلهم يفردوه سبحانه بالتعظيم.
وعن ابن عباس قال: (قال الله: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ للفريقين جميعًا من الكفار والمنافقين، أي وحِّدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم). قال ابن مسعود. (يقول: خلقكم وخلق الذين من قبلكم).
قال ابن جرير: (والذي أراد ابن عباس - إن شاء الله - بقوله في تأويل قوله: ﴿اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ وحِّدوه، أي أفردوا الطاعة والعبادة لربكم دون سائر خلقه).
وفي مسند البزار عن عبد الله قال: (كل شيء نزل ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ﴾ فهو بمكة. وكل شيء نزل: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فهو بالمدينة). وهو مروي عن مجاهد وعلقمة. قال القرطبي: (وهذا يردّه أن هذه السورة والنساء مدنيتان وفيهما ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ﴾. وأما قولهما في ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فصحيح).
لقد وجّه الله سبحانه الخطاب إلى الناس جميعًا -بما فيهم الذين ذكرهم من قبل من المنافقين واليهود والمشركين- بأن يفردوه سبحانه بالتعظيم والخضوع والمحبة. وهذا هو مفهوم العبادة.
وفي الصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: [كنتُ رديفَ النبي - ﷺ - على حمارٍ، فقال لي: يا معاذُ، أتدري ما حق الله على العباد، وما حقُّ العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحقُّ العباد على الله: أن لا يعذِّب من لا يشرك به شيئًا. قلت: يا رسول الله، أفلا أبشِّرُ الناس؟ قال: لا تبشرهم فيتكلوا] (١).

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (١٣/ ٣٠٠) في التوحيد، ومسلم (٣٠) في الإيمان.


الصفحة التالية
Icon