وقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
قال مجاهد: (لعلكم تطيعون)، أي لعلكم أن تتقوا ربكم بطاعتكم إياه، وإقلاعكم عن ضلالتكم. وليس المراد بلعل هنا الشك، قال أبو جعفر: (وإنما معنى ذلك. اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم، لتتقوه بطاعته وتوحيده وإفراده بالربوبية والعبادة).
قال القرطبي: ﴿لَعَلَّ﴾ متصلة باعبدوا لا بخلقكم، لأن من ذرأه الله لجهنم لم يخلقه ليتّقي).
ثم ذكر تأويلات ﴿لَعَلَّ﴾ التي وردت في القرآن بقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾، ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ وخلاصتها:
١ - لعلّ: من الترجي والتوقّع. أي افعلوا ذلك على الرجاء منكم والطمع أن تعقلوا وأن تذكروا وأن تتقوا. هذا قول سيبويه ورؤساء اللسان. قال سيبويه في قوله عز وجل: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: ٤٤] قال: معناه اذهبا على طمعكما ورجائكما أن يتذكر أو يخشى. واختاره أبو المعالي.
٢ - لعلّ: مجردة من الشك بمعنى لام كي. أي لتعقلوا ولتذكروا ولتتقوا. كقول الشاعر:

وقلتم لنا كفّوا الحروب لعلّنا نكفُّ ووثقتم لنا كلّ موثق
فلما كفننا الحرب كانت عهودكم كلَمْعِ سراب في المَلا متألِّقِ
والمعنى: كفّوا الحروب لنكف، ولو كانت "لعل" هنَا شكًّا لم يوثقوا لهم كل موثق، وهذا القول عن قُطْرُب والطبري.
٣ - لعلّ: بمعنى التعرض للشيء. أي افعلوا ذلك متعرضين لأن تعقلوا، أو لأن تذكروا أو لأن تتقوا. والمعنى في قوله ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ أي: لعلكم أن تجعلوا بقبول ما أمركم الله به وقاية بينكم وبين النار. ومنه قول علي رضي الله عنه: (كنا إذا احمرّ البأس اتقينا بالنبي - ﷺ -) أي جعلناه وقاية لنا من العدو.
واختار القاسمي القول الأول، قال: (وفي إيراد ﴿لَعَلَّ﴾ تشبيه طلبه تعالى برجاء الراجي من المرجوّ منه أمرًا هيّن الحصول. فإنه تعالى لما وضع في أيدي المكلفين زمام الاختيار، وطلب منهم الطاعة، ونصب لهم أدلة عقلية ونقلية داعية إليها، ووعد، وأوعد، وألطف بما لا يحصى كثرة - لم يبق للمكلف عذر، وصار حاله في رجحان


الصفحة التالية
Icon