اختياره للطاعة مع تمكنه من المعصية كحال المترجي منه في رجحان اختياره لما يرتجى منه - مع تمكنه من خلافه - وصار طلب الله تعالى لعبادته واتقائه بمنزلة الترجي).
قلت: والوجوه الثلاثة لـ ﴿لَعَلَّ﴾ التي أفادها القرطبي رحمه الله مقصودة شرعًا ومتفقة مع البيان الإلهي والنبوي.
وقوله: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا﴾.
قال ابن عباس وابن مسعود وغيرهما: (فهي فراش يُمشى عليها، وهي المهاد والقرار).
وقال قتادة: (مهادًا لكم).
وقوله: ﴿وَالسَّمَاءَ بِنَاءً﴾.
قال ابن عباس: (فبناء السماء على الأرض كهيئة القبة، وهي سقف على الأرض).
وقال قتادة: (جعل السماء سقفًا لك).
والسماء في لغة العرب يُذَكَّرُ ويؤنَّث وجَمْعه (أَسْمِيَة) و (سماوات). قال الرازي: (والسماء كلُّ ما علاك فأظلّك ومنه قيل لسقف البيت سماء).
فسميت السماء سماء لعلوها على الأرض وعلى سكانها من خلقه، وكل شيء كان فوق شيء آخر فهو لما تحته سماء. ومنه قولهم: سما فلان لفلان، إذا أشرف له وقصد نحوه عاليًا عليه.
قال ابن جرير: (وإنما ذكر تعالى ذكره السماء والأرض فيما عدّد عليهم من نعمه التي أنعمها عليهم، لأن منهما أقواتهم وأرزاقهم ومعايشهم، وبهما قوامُ دُنياهم. فأعلمهم أن الذي خلقهما وخلق جميع ما فيهما وما هم فيه من النعم، هو المستحق عليهم الطاعة، والمستوجب منهم الشكر والعبادة، دون الأصنام والأوثان، التي لا تضر ولا تنفع).
وقوله: ﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.
الثمرات جمع ثمرة. وثِمار جمع ثمر. قال القرطبي: (والمعنى في الآية أخرجنا لكم ألوانًا من الثمرات، وأنواعًا من النبات. ﴿رِزْقًا﴾ طعامًا لكم، وعَلَفًا لدوابكم،


الصفحة التالية
Icon