وقد بيّن هذا قولُه تعالى: ﴿أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (٢٧) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (٢٨) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (٢٩) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (٣٠) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾ [عبس: ٢٥ - ٣٢].
قال النسفي: (ومن في ﴿مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ للتبعيض أو للبيان ﴿رِزْقًا﴾ مفعول له إن كانت من للتبعيض ومفعول به لأخرج إن كانت للبيان).
وخلاصة المعنى: إن الخالق الرازق مالك الدار وساكنيها المنعم المتفضل عليهم بألوان الثمار والرزق قد استحق بهذا أن يُعبد وحده ولا يُشرك به غيره ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.
وفي لغة العرب: ندّ البعير يندُّ ندًّا وندُودًا إذا نفر وذهب على وجهه شاردًا. ومنه قرأ بعضهم: ﴿يَوْمَ التَّنَادِ﴾ بتشديد الدال. ذكره الرازي. وأندادًا واحدها نِدّ.
قال أبو عبيدة: (أندادًا: أضدادًا). فالمعنى: (لا تجعلوا لله أكفاء وأمثالًا ونظراء).
فإن قيل: كيف سمّاها أندادًا وهم ما كانوا يزعمون أنها تخالفه وتناوئه بل يجعلونها شفعاء عنده؟ أجاب القاسمي رحمه الله: (بأنهم لما تقرّبوا إليها وعظموها وسمّوها آلهة - أشبهت حالهم حالَ من يعتقد أنها آلهة مثله قادرة على مخالفته ومضادته، فقيل لهم ذلك على سبيل التهكُّم. وكما تهكَّم بهم بلفظ الندّ شنّعَ عليهم واستفظع شأنهم، بأن جعلوا أندادًا كثيرة لمن لا يصح أن يكون له ندّ قط).
وفي صحيح البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله - ﷺ - قال: [من مات وهو يدعو من دون الله نِدًّا دخل النار] (١).
وفي سنن النسائي ومسند أحمد عن ابن عباس: [أن رجلًا قال للنبي - ﷺ -: ما شاء الله وشئت، فقال: أجعلتني لله عَدلًا، ما شاء الله وحده] (٢).
ورواه ابن مردويه بلفظ: (أجعلتني لله ندًّا) (٣). والمعنى واحد.
قال ابن القيم رحمه الله:
والشرك فاحذره، فشرك ظاهر | ذا القسم ليس بقابل الغفران |
وهو اتخاذ الند للرحمن أيًّا | كان، من حجر ومن إنسان |
(٢) أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة"، وأحمد في المسند (١/ ٢١٤)، وهو صحيح.
(٣) انظر "فتح المجيد" -تحقيق الأرناؤوط- ص (٥٠٥).