وتجد القصيدة الطويلة المديدة قد استعمل غالبها في وصف النساء أو الخيل أو الخمر، أو في مدح شخص معين، أو فرس أو ناقة أو حرب أو كائنة، أو سير أو مخافة، أو سبع، أو شيء من المشاهدات المعينة التي لا تفيد شيئًا إلا قدرة المتكلم المعبر عن الشيء الخفي أو الدقيق وإبرازه إلى المعنى الواضح، ثم تجد له فيها بيتًا أو بيتين أو أكثر، هي بيوت القصيد، وسائرها هذر لا طائل تحته. وأما القرآن فجميعه فصيح في غاية نهايات البلاغة عند من يعرف ذلك تفصيلًا وإجمالًا، ممن فهم كلام العرب وتصاريف التعبير، فإنه إن تأملت أخباره وجدتها في غاية الحلاوة سواء كانت مبسوطة أو وجيزة، وسواء تكررت أم لا، وكلما تكررت حلا وغلا، لا يَخْلَقُ عن كثرة الرد، ولا يَمَلُّ منه العلماء).
قلت: والحق أنه أكبر معجزة خالدة في الأرض إلى يوم القيامة، وهو أكبر من معجزات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام التي أخرجوها لأقوامهم ودهشوهم بها.
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن رسول الله - ﷺ - قال: [ما من نبيّ من الأنبياء إلا قد أُعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة] (١).
وكل سورة من القرآن معجزة، لا يستطيع البشر معارضتها، طويلة كانت أم قصيرة. قال الشافعي رحمه الله: (لو تدبر الناس هذه السورة لكفتهم: ﴿وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)﴾). قال الحافظ ابن كثير: (وقد روينا عن عمرو بن العاص أنه وفد على مسيلمة الكذاب قبل أن يسلم، فقال له مسيلمة: ماذا أنزل على صاحبكم بمكة في هذا الحين؟ فقال له عمرو: لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة، فقال: وما هي؟ فقال: ﴿وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ إلى آخرها، ففكر ساعة ثم رفع رأسه فقال: ولقد أنزل علي مثلها، فقال: وما هو؟ فقال: يا وبر، يا وبر، إنما أنت أذنان وصدر، وسائرك جفر نقر. ثم قال: كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرو: والله إنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب).
وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾.