وأما أنهار الجنة فهي تتفجر من أعلاها -من الفردوس- ثم تنحدر نازلة.
ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي - ﷺ - قال: [إن في الجنة مئة درجة أعدّها الله عز وجل للمجاهدين في سبيله، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن، ومنه تتفجر أنهار الجنة] (١).
فقوله: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ فيه البشارة للأتقياء بعدما ذكر الوعيد والنكال للأشقياء.
قال الحافظ ابن كثير: (وهذا معنى تسمية القرآن "مثاني" على أصح أقوال العلماء... وهو أن يذكر الإيمان ويتبعه بذكر الكفر، أو عكسه، أو حال السعداء ثم الأشقياء، أو عكسه. وحاصله ذكر الشيء ومقابله، وأما ذكر الشيء ونظيره فذاك المتشابه).
وقوله: ﴿كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا﴾.
فيه أكثر من تأويل:
التأويل الأول: هذا الذي رُزقنا من قبل هذا في الدنيا.
فعن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة: (إنهم أتوا بالثمرة في الجنة، فلما نظروا إليها قالوا: هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا). وقال مجاهد: (يقولون: ما أشبهه به). وقال ابن زيد: (﴿وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا﴾ يعرفونه).
التأويل الثاني: قيل بل المعنى ما رزقنا من ثمار الجنة من قبل هذا.
قال عمرو بن مرة يحدث عن أبي عبيدة: (نخل الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها، وثمرُها مثل القلال، كلما نُزعت منها ثمرة عادت مكانها أخرى).
التأويل الثالث: قيل بل المراد مشابهته الذي قبله في اللون وإن خالفه في الطعم.
قال الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير: (يؤتى أحدهم بالصحفة فيأكل منها، ثم يؤتى بأخرى فيقول: هذا الذي أتينا به من قبل. فيقول الملَك: كُلْ، فاللون واحد والطعم مختلف).

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح (٤/ ١٤)، وأخرجه أحمد في المسند (٢/ ٣٣٥).


الصفحة التالية
Icon