تخوف ما يعاب به ويذم ولا يجوز على القديم التغير وخوف الذم ولكن الترك لما كان من لوازمه عبر عنه به، ويجوز أن تقع هذه العبارة في كلام الكفرة فقالوا: أما ما يستحي رب محمد أن يضرب مثلًا بالذباب والعنكبوت، فجاءت على سبيل المقابلة وإطباق الجواب على السؤال وهو فن من كلامهم بديع).
٣ - ﴿لَا يَسْتَحْيِي﴾ أي لا يأمر بالحياء فيه. قال القرطبي: (وأصل الاستحياء الانقباض عن الشيء والامتناع منه خوفًا من مواقعة القبيح، وهذا مُحال على الله تعالى. وفي صحيح مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: جاءت أم سُليم إلى النبي - ﷺ - فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق. المعنى لا يأمر بالحياء فيه، ولا يمتنع من ذكره).
قلت: والحياء صفة لله تعالى أثبتها لنفسه وهي كما يليق بجلاله سبحانه، فلا يرافق ذلك ما يوصف بحال العبد من الانقباض وغيره، فإن الله ليس كمثله شيء، وإنما جاءت السنة الصحيحة بإثبات هذه الصفة الكريمة:
ففي المسند وصحيح أبي داود عن يعلى بن أمية، عن النبي - ﷺ - قال: [إن الله تعالى حيي ستير يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر] (١).
وفي المسند وصحيح أبي داود والترمذي وابن ماجة عن سلمان، عن النبي - ﷺ - قال: [إن الله تعالى حيي كريم، يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صِفرًا خائبتين] (٢).
وهو في صحيح الحاكم بلفظ: [إن الله رحيم، حَيِيٌّ، كريم، يستحي من عبده أن يرفع إليه يديه ثم لا يضع فيهما خيرًا].
فيكون المعنى: إن الله لا يخشى ولا يمتنع من ذكر أي شيء مما قل أو كثر من أجل إثبات هذا الحق ونصره وإبطال حجج المبطلين والمعاندين.
وأما المراد من الآية وسبب نزولها ففيه أكثر من تأويل:

(١) حديث صحيح. أخرجه أبو داود في السنن -حديث رقم- (٤٠١٢)، وانظر صحيح سنن أبي داود (٣٣٨٧)، وصحيح الجامع (١٧٥٢).
(٢) حديث صحيح. رواه أحمد وأكثر أهل السنن. انظر صحيح سنن الترمذي -حديث رقم- (٢٨١٩)، وصحيح الجامع (١٧٥٣)، (١٧٦٤) لرواية الحاكم.


الصفحة التالية
Icon