وكبيرها، يؤمن بها المؤمنون، ويعلمون أنها الحق من ربهم، ويهديهم الله بها ويُضل بها الفاسقين. يقول: يعرفه المؤمنون فيؤمنون به، ويعرفه الفاسقون فيكفرون به).
وقوله ﴿فَمَا فَوْقَهَا﴾.
فيه تأويلان:
الأول: فما هو أعظم منها. قال قتادة وابن جُريج: (المعنى في الكِبَر). فيكون المراد بقوله: ﴿فَمَا فَوْقَهَا﴾ أي فما هو أكبر منها، لأنه ليس شيء أحقر ولا أصغر من البعوضة، واختاره ابن جرير.
الثاني: فما دونها في الصغر والحقارة والقلة. قال الكسائي وأبو عبيدة: (معنى ﴿فَمَا فَوْقَهَا﴾ - والله أعلم- ما دونها، أي إنها فوقها في الصغر). قال الكسائي: (وهذا كقولك في الكلام: أتراه قصيرًا؟ فيقول القائل: أو فوق ذلك، أي هو أقصر مما ترى).
ويبدو من السنة الصحيحة أن التأويل الأول أقرب للصواب:
ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - ﷺ - قال: أما من مسلم يشُاكُ شوكة فما فوقها إلا كُتِبَت له بها درجة ومُحيت عنه بها خطيئة] (١).
وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي - ﷺ - قال: [ما من مسلمٍ يصيبُه أذى شوكةٌ فما فوقَها، إلا حطَّ الله لهُ به سيئاته، كما تحطُّ الشجرة ورقَها] (٢).
وفي جامع الترمذي عن سهل بن سعد عن النبي - ﷺ - قال: [لو كانت الدنيا تعدِلُ عند الله جناحَ بعوضة، ما سقى كافرًا منها شربةَ ماء] (٣).
وقوله: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا﴾.

(١) حديث صحيح. رواه مسلم (٢٥٧٢). ورواه البخاري (٥٦٤٠) وأحمد (٢/ ٢٣٧) واللفظ لمسلم.
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (٢٥٧١)، كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها. وانظر مسند أحمد (٢/ ٢٣٧)، وصحيح البخاري (٥٦٤٠)، وسنن الترمذي (٩٦٥).
(٣) حديث صحيح. أخرجه الترمذي (٢٣٢٠)، وانظر صحيح الجامع الصغير -حديث رقم- (٥١٦٨).


الصفحة التالية
Icon