عليهم في التوراة بالتصديق بمحمد - ﷺ - واتباعه، فجحدوا ذلك وكتموا العلم بعد إعطائهم الله من أنفسهم الميثاق ليُبَيِّنُنّه للناس ولا يكتمونه، فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنًا قليلًا.
القول الثالث: قيل بل المراد جميع أهل الشرك والكفر والنفاق. وعهدُه إلى جميعهم في توحيده: ما وَضع لهم من الأدلة الدالة على ربوبيته. وعهدُه إليهم في أمره ونهيه: ما احتجَّ به لرسله من المعجزات التي لا يقدر أحد من الناس غيرهم أن يأتي بمثلها، الشاهدة لهم على صدقهم. قالوا: ونقضهم ذلك، تركهم الإقرارَ بما قد تبيَّنت لهم صحته بالأدلة، وتكذيبُهم الرسلَ والكُتب، مع علمهم أن ما أتوا به حق.
القول الرابع: قيل بل العهد المقصود هو الميثاق الذي أخذه عليهم حين أخرجهم من صلب آدم، الموصوف بقوله تعالى في سورة الأعراف: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (١٧٢) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (١٧٣)﴾.
واختار ابن جرير أنها نزلت في كفّار أحبار اليهود الذين كانوا بين ظَهْرانَيْ مهاجَر رسول الله - ﷺ -، وما قرُب منها من بقايا بني إسرائيل، ومن كان على شِركه من أهل النفاق.
ويبدو أن الآية عامة في جميع أهل الشرك والكفر والنفاق وهو القول الثالث، وقد روي عن مقاتل بن حيان نحوه، وقال الحافظ ابن كثير: (وهو حسن، وإليه مال الزمخشري فإنه قال: فإن قلت: فما المراد بعهد الله؟ قلت ما ركز في عقولهم من الحجة على التوحيد، كأنه أمرٌ وصّاهم به ووثّقه عليهم، وهو معنى قوله تعالى: ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالوا بَلَى﴾ إذ أخذ الميثاق عليهم من الكتب المنزلة عليهم كقوله: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾).
قال أبو العالية: ﴿الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾ -إلى قوله- ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾: هي ست خصال من المنافقين إذا كانت فيهم الظَّهَرَة على الناس أظهروا هذه الخصال: إذا حَدَّثوا كذبوا، وإذا وعدوا أخلفوا، وإذا اؤتمنوا خانوا، ونقضوا عهد الله من بعد ميثاقه، وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل، وأفسدوا في الأرض، وإذا


الصفحة التالية
Icon