وقال السدّي: (﴿وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ الذين لم يخلقهم الله يومئذ يكونون بعد).
وقال محمد بن كعب القُرَظِيُّ: (ابتدأ الله خلق إبليس على الكفر والضلالة، وعمل بعمل الملائكة، فصَيَّرَهُ الله إلى ما أبدى عليه خلقه على الكفر، قال الله تعالى: ﴿وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾.
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره: (وقال جمهور المتأولين: المعنى أي كان في علم الله تعالى أنه سيكفر، لأن الكافر حقيقةً والمؤمن حقيقةً هو الذي قد علم الله منه الموافاة).
قلت: ويشهد لهذا التأويل الجيد من السنة الصحيحة ما رواه الطبراني بسند صحيح عن أبي أمامة عن النبي - ﷺ - قال: [لا تعجبوا بعمل عامل، حتى تنظروا بمَ يختَمُ له] (١).
وله تفصيل أكبر عن الإمام أحمد وابن أبي عاصم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - ﷺ -: [لا تعجبوا بعمل أحد حتى تنظروا بما يختم له، فإن العامل يعمل زمانًا من دهره، أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملًا سيئًا، وإن العبد ليعمل زمانًا من دهره بعمل سيِّئ لو مات عليه دخل النار، ثم يتحول فيعمل عملًا صالحًا، وإذا أراد الله بعبد خيرًا استعمله قبل موته فوفقه لعمل صالح، ثم يقبضه عليه] (٢).
وقد ذكر العلماء في هذا المعنى: أنه لا نَقْطَعُ لمن أجرى الله على يديه الخوارق أن يوافي الله بالإيمان، فالخوارق قد تكون من الولي وغير الولي، فإن كانت من الولي الصالح فهي كرامات وإن كانت من الدجال الجاهل فهي فتنة له ولمن تبعه.
قال يونس بن عبد الأعلى الصدفي: (قلت للشافعي رحمه الله: كان الليث بن سعد يقول: إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء فلا تغترّوا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة. فقال الشافعي: قصَّر الليث رحمه الله، بل إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء، ويطير في الهواء، فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة).
(٢) حديث صحيح. أخرجه أحمد (٣/ ١٢٠، ١٢٣، ٢٣٠)، وكذلك أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (٣٤٧ - ٣٥٣)، وانظر السلسلة الصحيحة للألباني (١٣٣٤).