٣٥ - ٣٦. قوله تعالى: ﴿وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (٣٦)﴾.
في هذه الآيات: تكريم الله تعالى آدم وزوجته في جنة النعيم، وتحذيرهما من شجرة إن يقرباها يكونا من الظالمين. فما زال يوسوس إليهما فيها الشيطان الرجيم، حتى أكلا منها فأهبطهم الله تعالى إلى الأرض حتى حين.
فقوله: ﴿وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ الآية.
قال ابن جرير: (وفي هذه الآية دلالة واضحة على صحة قول من قال: إن إبليس أخرج من الجنة بعد الاستكبار عن السجود لآدم، وأُسكنها آدم قبل أن يهبط إبليس إلى الأرض).
وإلى ذلك ذهب المفسرون، وذكر القرطبي أنه لا خلاف أن الله تعالى أخرج إبليس عند كفره وأبعده عن الجنة، وبعد إخراجه قال لآدم: اسكن.
وهناك روايتان في ذلك عن أرباب التفسير:
الأولى: عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة: (أن عدو الله إبليس أقسم بعزة الله ليُغويَنَّ آدم وذريته وزوجَه إلا عباده المخلصين منهم، بعد أن لعنه الله، وبعد أن أخرِج من الجنة، وقبل أن يهبط إلى الأرض. وعلّم الله آدم الأسماء كلها).
الثانية: عن ابن إسحاق، قال: (لما فرغ الله من إبليس ومعاتبته، وأبى إلا المعصية وأوقع عليه اللعنة، ثم أخرجه من الجنة، أقبل على آدم وقد علمه الأسماء كلها، فقال: ﴿قَال يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ﴾ إلى قوله: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾).
وقوله: ﴿اسْكُنْ﴾ من السكينة: وهي الوَداع والوقار. حكاه الرازي.
والمقصود: لازم الإقامة واتخذ الجنة مسكنًا، وهو محل السكون. يقال: سَكَنَ إليه يَسْكُنُ سكونًا. والسَّكَنُ: كل ما سُكن إليه.