وأما عن الحال التي خلقت لآدم زوجته، والوقت الذي جعلت له سكنا فهناك روايتان: الرواية الأولى: عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة: (فأُخْرِجَ إبليسُ من الجنة حين لعن، وأسكِنَ آدم الجنة. فكان يمشي فيها وَحْشًا ليس له زوج يسكن إليها، فنام نومة فاستيقظ، وإذا عند رأسه امرأة قاعدةٌ خلقها الله من ضلعه، فسألها: من أنت؟ فقالت: امرأة. قال: ولم خلقت؟ قالت: تسكن إليّ. قالت له الملائكة -ينظرون ما بلغ علمه-: ما اسمها يا آدم؟ قال: حواء. قالوا: ولم سُميت حواء؟ قال: لأنها خلقت من شيء حيّ. فقال الله له: ﴿يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا﴾).
فهذا الخبر يُنبئ أن حواء خلقت بعد أن سكن آدم الجنة، فجعلت له سكنًا.
الرواية الثانية: قيل بل خلقت حواء قبل أن يسكن آدم الجنة.
فعن ابن إسحاق، قال: (لما فرغ الله من مُعاتبة إبليس، أقبل على آدم وقد علّمه الأسماء كلها فقال: ﴿يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ﴾ إلى قوله: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾. قال: ثم ألقى السِّنَةَ على آدم -فيما بلغنا عن أهل الكتاب من التوراة، وغيرهم من أهل العلم، عن عبد الله بن عباس وغيره- ثم أخذ ضِلَعًا من أضلاعه من شِقِّهِ الأيسر، ولأم مكانه لحمًا، وآدم نائم لم يهبَّ من نومته، حتى خلق الله من ضِلَعه تلك زوجته حوّاء، فسوّاها امرأة ليسكن إليها. فلما كُشِف عنه السِّنة وهبَّ من نومته، رآها إلى جنبه، فقال -فيما يزعمون والله أعلم-: لحمي ودمي وزوجتي، فسكن إليها. فلما زوّجه الله تبارك وتعالى، وجعل له سكنًا من نفسه، قال له قَبيلًا: ﴿وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾).
قال أبو جعفر: (ويقال لامرأة الرجل: زَوْجُه وزوْجَتُه، والزوجة بالهاء أكثر في كلام العرب منها بغير الهاء. والزوج بغير الهاء يقال إنه لغة لأزْدِ شنوءة. فأما الزوج الذي لا اختلاف فيه بين العرب، فهو زوجُ المرأة).
والخلاصة من أقوال المفسرين: لَقد أسكن الله آدم الجنة، وأخذ من ضلع من أضلاعه وهو نائم ضلعًا من شقه الأيسر، ولأم مكانه لحمًا، وخلق له من ذلك الضلع زوجة يسكن إليها، والله أعلم. وقد أشارت السنة الصحيحة إلى بعض ذلك في أحاديث:
الحديث الأول: أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة، عن النبي - ﷺ - قال: