أُمناؤُكم، وكثُرَت أمراؤكم، وقَلَّتْ فقهاؤكم، وكثُرَت قراؤُكم، وتُفقِّهَ لغير الدين، والتُمست الدنيا بعمل الآخرة) (١).
قلت: وأما أخذ الأجرة على تعليم القرآن والعلم فقد اختلف فيه. فذهب بعضهم إلى التحريم والمنع كالزُّهري وأصحاب الرأي وقالوا: لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، لأن تعليمه واجب من الواجبات التي يحتاج فيها إلى نية التقرب والإخلاص فلا يؤخذ عليها أجرة كالصلاة والصيام وقد قال تعالى: ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾.
وأجاز أخذ الأجرة على تعليم القرآن مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وأكثر العلماء لقوله عليه السلام في حديث ابن عباس - حديث الرُّقْيَة -: [إن أحقَّ ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله] (٢). قال القرطبي: (وهو نصٌّ يرفع الخلاف، فينبغي أن يعوّل عليه).
وقال ابن كثير: (فأما تعليم العلم بأجرة، فإن كان قد تعين عليه فلا يجوز أن يأخذ عليه أجرة، ويجوز أن يتناول من بيت المال ما يقوم به حاله وعياله بأجرة، فإن لم يحصُل له منه شيءٌ، وقطعَهُ التعليم عن التكسب، فهو كما لم يتعين عليه، وإذا لم يتعيَّن عليه فإنه يجوز أن يأخذ عليه أجرة عند مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء).
والذي يرجح في المسألة أنه يجوز للمعلم العلم والقرآن أخذ الأجر والراتب لقاء التفرغ والانشغال بتعليم الناس، كما يجوز للإمام أخذ الراتب لقاء تفريغ وقته لإقامة الصلاة وخطبة الجمعة ودروس العلم في المسجد لا مقابل الصلاة وتلاوة القرآن.
وقد يستشهد لذلك بما في الصحيحين من حديث سهل بن سعد أن النبي - ﷺ - قال - في قصة المخطوبة -: [اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن] (٣).
وفي لفظ: (زوجتكها بما معك من القرآن).
أي يكون مهرها مقابل تعليمك لها ما معك من القرآن.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٥٧٣٧) من حديث ابن عباس- ورواه مسلم، وقد تقدم.
(٣) حديث صحيح. انظر صحيح البخاري (٢٣١٠) من حديث سهل بن سعد، كتاب الوكالة، باب وكالة المرأة الإمام في النكاح، ورواه النسائي وغيره. انظر صحيح الجامع (٨٧٤).