ولا شك أن الآية تبقى عامة في بني إسرائيل وغيرهم، والله تعالى أعلم.
وقوله: ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ﴾.
الظن هنا بمعنى: اليقين، وله في كلام العرب شواهد كثيرة. قال ابن جرير: (إن العرب قد تسمي اليقين "ظنًّا"، نظيرَ تسميتهم الظُّلمة "سُدْفة"، والضياء "سُدْفَة"، والمغيث "صَارخًا"، والمستغيث "صارخًا"، وما أشبه ذلك من الأسماء التي تسمي بها الشيءَ وضدَّه. ومما يدل على أنه يسمى به اليقين، قولُ دُرَيد بن الصِّمَّة:
فقلت لهم ظُنُّوا بألفي مُدَجَّحٍ | سَراتُهُمُ في الفارِسيِّ المُسَرَّدِ |
بأن تَغْتَزُوا قومي وأقعُدَ فيكُمُ | وأجْعَلَ مني الظَّنَّ غَيْبًا مُرَجَّمَا |
وفي التنزيل: ﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا﴾ [الكهف: ٥٣]. أي: أيقنوا أنهم داخلوها.
وقد جاء بذلك تفسير المفسرين:
١ - عن أبي العالية: (﴿يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ﴾ قال: إن الظن هاهنا يقين).
٢ - عن مجاهد قال: (كل ظن في القرآن يقين، ﴿إِنِّي ظَنَنْتُ﴾، ﴿وَظَنُّوا﴾). وقال أيضًا: (كل ظن في القرآن فهو عِلْم).
٣ - عن السدي: (أما ﴿يَظُنُّونَ﴾ فيستيقنون).
٤ - قال ابن جريج: (﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ﴾، علموا أنهم ملاقو ربهم، هي كقول، ﴿إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ﴾ [الحاقة: ٢٠]. يقول: علمت).
٥ - عن ابن زيد: (﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ﴾، قال: لأنهم لم يعاينوا، فكان ظنهم يقينًا، وليس ظنًّا في شك، وقرأ: ﴿إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ﴾).
وفي السنة الصحيحة ما يشهد على هذا المعنى:
ففي مسند الإمام أحمد وجامع الترمذي بسند صحيح، عن أبي هريرة وأبي سعيد، عن النبي - ﷺ - قال: [يُؤتى بالعبد يوم القيامة، فيُقال له: ألم أجعل لك سمعًا وبصرًا ومالًا وولدًا، وسخّرت لك الأنعام والحرث وتركتك ترأسُ وتَرْبَعُ، فكنت تظنَّ أنك