الشفاعة، فاخترت الشفاعةَ، وهي لمن مات لا يشرك بالله شيئًا] (١).
وأخرج ابن أبي عاصم في كتاب السنة بسند صحيح عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - ﷺ -: ["إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي] (٢).
قال ابن عمر: (ما زلنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى سمعنا من في نبينا - ﷺ - يقول: "إن الله تبارك وتعالى لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" قال: فإني أخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة. فأمسكنا عن كثير مما كان في أنفسنا) (٣).
وقوله: ﴿وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ﴾.
العَدْل: ضد الجَوْر. والعرب تقول رَجُلٌ "عَدْلٌ" أي رِضًا ومَقْنَع في الشهادة.
قال الرازي: (والعَدْل الفِدية ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا﴾ أي: وإن تَفْد كلَّ فِداء. وقوله تعالى: ﴿أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا﴾ أي: فِداء ذلك).
وبنحو ذلك أخبر أهل العلم بالتفسير، كما يتضح من النقول التالية:
١ - عن أبي العالية: (﴿وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ﴾، قال: يعني فداء).
٢ - عن السدي قال: (أما عَدل: فيعدلها، من العدْل. يقول لو جاءت بملء الأرض ذهبًا تفتدي به ما تُقبِّل منها). وقال قتادة: (لو جاءت بكل شيء لم يقبل منها).
٣ - وقال مجاهد: قال ابن عباس: (﴿وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ﴾، قال: بَدَل، والبدل: الفدية).
وقوله: ﴿وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾:
أي: لا سبيل لأحد إلى إنقاذهم من عذاب الله الذي حقّ عليهم، فلا يعطف عليهم ذو قرابة ولا ذو جاه، ولا ينصرهم ناصر من أنفسهم أو من غيرهم، ولا يقبل منهم فداء.
قال ابن جرير: (بطلت هنالك المُحاباة، واضمحلت الرُّشَى والشفاعات، وارتفع

(١) حديث صحيح. أخرجه الترمذي في السنن (٢٥٧١)، وأحمد من حديث عوف بن مالك. وانظر صحيح سنن الترمذي (١٩٨٦). وكذلك صحيح الجامع الصغير (٥٦).
(٢) حديث صحيح. أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب "السنة" (٨٣١) - وصححه الألباني.
(٣) حديث حسن. أخرجه ابن أبي عاصم. انظر المرجع السابق (٨٣٠)، وإسناده حسن.


الصفحة التالية