بين القوم التعاون والتناصر، وصار الحُكم إلى العَدل الجبار الذي لا ينفع لديه الشفعاء والنُّصراء، فيجزي بالسيئة مثلها وبالحسنة أضعافها، وذلك نظير قوله تعالى: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (٢٤) مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (٢٥) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ﴾ [الصافات: ٢٤ - ٢٦].
قال الضحاك عن ابن عباس: (في قوله تعالى: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ﴾ ما لكم اليوم لا تُمانعونَ منا؟ هيهات ليس ذلك لكم اليوم).
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ﴾ [الطارق: ١٠].
٢ - وقال تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾ [الفجر: ٢٥ - ٢٦].
٣ - وقال تعالى: ﴿فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [الأحقاف: ٢٨].
٤٩ - ٥٠. قوله تعالى: ﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٤٩) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾.
في هذه الآيات: يُذَكِّرُ الله سبحانه بني إسرائيل فَيُفَصِّلُ بعض ما أجمل مِنْ قبل في قوله تعالى: ﴿نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ من فنون النعماء وألوان السراء. فإن ﴿وَإِذَ﴾ في موضع نصب عطف على ﴿اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ﴾.
قال القاسمي: (أي واذكروا وقت تنجيتنا إياكم، أي آباءكم. فإن تنجيتهم تنجية لأعقابهم. والمراد بالآل، فرعون وأتباعه، فإن الآل يطلق على الشخص نفسه وعلى أهله وأتباعه وأوليائه).
وقال القرطبي: (أي اذكروا نعمتي بإنجائكم من عدوّكم وجعل الأنبياء فيكم. والخطاب للموجودين والمراد من سَلَفَ من الآباء، كما قال: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ﴾ أي حملنا آباءكم. وقيل: إنما قال: ﴿نَجَّيْنَاكُمْ﴾ لأن نجاة الآباء كانت سببًا لنجاة هؤلاء الموجودين. ومعنى "نجيناكم" ألقيناكم على نَجْوة من الأرض، وهي ما ارتفع منها. هذا هو الأصل، ثم سُمِّيَ كل فائز ناجيًا. فالنّاجي مَن خرج من ضيق إلى سَعة).


الصفحة التالية
Icon