ذي الحِجَّة. وذلك حين خلَّف موسى أصحابه واستخلف عليهم هارون، فمكث على الطور أربعين ليلة، وأنزل عليه التوراة في الألواح - وكانت الألواح من بَرَد - فقربه الربّ إليه نجِيًّا وكلّمه... ).
٢ - عن ابن إسحاق قال: (وعد الله موسى- حين أهلك فرعون وقومَه، ونجَّاه وقومَه - ثلاثين ليلة ثم أتمها بعشر، فتم ميقات ربِّه أربعين ليلة، يلقاه ربه فيها ما شاء. واستخلف موسى هارونَ على بني إسرائيل، وقال: إني متعجِّلٌ إلى ربي، فاخلفني في قومي ولا تتَّبع سبيل المفسدين. فخرج موسى إلى ربه متعجلًا لِلُقِيِّهِ شوقًا إليه، وأقام هارون في بني إسرائيل ومعه السامريّ، يسير بهم على أثر موسى ليلحقهم به).
٣ - عن السدي قال: (انطلق موسى، واستخلف هارون على بني إسرائيل، وواعدهم ثلاثين ليلة، وأتمها الله بعشر).
والخلاصة: كأن الله سبحانه يقول لبني إسرائيل: اذكروا نعمتي عليكم في عفوي عنكم، إذ عبدتم العجل بعد ذهاب موسى لميقات ربه، عند انقضاء أمد المواعدة، وكانت أربعين يومًا كما قال تعالى في سورة الأعراف: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ﴾ [الأعراف: ١٤٢].
قال القرطبي: (والأربعون في قول أكثر المفسرين: ذو القعدة وعشرة من ذي الحجة. وكان ذلك بعد أن جاوز البحر وسأله قومه أن يأتيهم بكتاب من عند الله، فخرج إلى الطور في سبعين من خيار بني إسرائيل، وصعِدوا الجبل وواعدهم إلى تمام أربعين ليلة، فعدّوا - فيما ذكر المفسرون - عشرين يومًا وعشرين ليلة، وقالوا قد أخلفنا موعده. فاتخذوا العجل. وقال لهم السامري: هذا إلهكم وإله موسى، فاطمأنوا إلى قوله. ونهاهم هارون وقال: ﴿إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قَالوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى﴾. فلم يتبع هارون ولم يطعه في ترك عبادة العجل إلا اثنا عشر ألفًا فيما رُوي في الخبر. وتهافت في عبادته سائرهم وهم أكثر من ألفي ألف، فلما رجع موسى ووجدهم على تلك الحال، ألقى الألواح فرفع من جملتها ستة أجزاء وبقي جزء واحد وهو الحلال والحرام وما يحتاجون، وأحرق العجل وذراه في البحر، فشربوا من مائه حُبًّا للعجل، فظهرت على شفاههم صفرة وورِمَت بطونهم، فتابوا ولم تُقبل توبتهم دون أن يقتلوا أنفسهم، فذلك قوله تعالى: ﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾. فقاموا بالخناجر والسيوف بعضهم إلى بعض من لَدُن طلوع الشمس إلى ارتفاع الضحى، فقتل بعضهم بعضًا، لا يسأل والد عن ولده