وقال للقوم: ادنوا. وكان موسى إذا كلَّمه الله وقع على جبهته نور ساطع، لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه، فضرب دونه بالحجاب، ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الغمام، وقعوا سجودًا، فسمعوه وهو يكلم موسى يأمره وينهاه: افعل ولا تفعل. فلما فرغ إليه من أمره انكشف عن موسى الغمام، فأقبل إليهم، فقالوا لموسى: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ فأخذتهم الرجفة، وهي الصاعقة، فماتوا جميعًا. وقام موسى يناشد ربه ويدعوه ويرغب إليه، ويقول: ﴿رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ﴾ قد سَفِهوا، أفتهلك من ورائي من بني إسرائيل بما يفعل السفهاء منا؟ أي: إن هذا لهم هلاك. واخترتُ منهم سبعين رجلًا، الخيِّرَ فالخيِّرَ، أرجع إليهم وليس معي منهم رجل واحد! فما الذي يصدقوني به ويأمنوني عليه بعد هذا؟ ﴿إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٥٦]، فلما يزل موسى يناشد ربه عز وجل ويطلب إليه حتى ردّ إليهم أرواحهم، فطلب إليه التوبة لبني إسرائيل من عبادة العجل، فقال: لا، إلا أن يقتلوا أنفسهم).
وفي رواية إسماعيل بن عبد الرحمن السّدّي الكبير: (لما تابت بنو إسرائيل من عبادة العجل، وتاب الله عليهم بقتل بعضهم بعضًا كما أمرهم الله به، أمر الله موسى أن يأتيه في كل أناسٍ من بني إسرائيل، يعتذرون إليه من عبادة العجل، ووعدهم موسى، فاختار موسى قومه سبعين رجلًا على عَينه، ثم ذهب بهم ليعتذروا). وساق البقية.
القول الثاني: عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: قال لهم موسى لما رجع من عند ربه بالألواح، قد كتب فيها التوراة، فوجدهم يعبدون العجل، فأمرهم بقتل أنفسهم، ففعلوا، فتاب الله عليهم فقال: إن هذه الألواح فيها كتاب الله، فيه أمره الذي أمركم به ونهيه الذي نهاكم عنه. فقالوا: ومن يأخذه بقولك أنت؟ لا والله حتى نرى الله جهرة، حتى يطلع الله علينا فيقول: هذا كتابي فخذوه، فما له لا يكلمنا كما يكلمك أنت يا موسى! وقرأ قول الله: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾. قال: فجاءت غضبة من الله، فجاءتهم صاعقة بعد التوبة، فصَعَقتهم فماتوا أجمعون. قال: ثم أحياهم الله من بعد موتهم، وقرأ قول الله: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٦)﴾، فقال لهم موسى: خذوا كتاب الله، فقالوا: لا. فقال: أي شيء أصابكم؟ فقالوا: أصابنا أنّا متنا ثم حَيينا. قال: خذوا كتاب الله. قالوا: لا. فبعث الله ملائكة فنتقت الجبل فوقهم).
قال الحافظ ابن كثير: (وهذا السياق يدلّ على أنهم كُلِّفوا بعد ما أُحيوا).
وقال الماوردي: (واختلف في بقاء تكليف من أعيد بعد موته ومعاينة الأحوال