المضطرة إلى المعرفة على قولين: أحدهما - بقاء تكليفهم لئلا يخلو عاقل من تعبّد. الثاني: سقوط تكليفهم معتبرًا بالاستدلال دون الاضطرار).
قال القرطبي: (والأول أصح، فإن بني إسرائيل قد رأوا الجبل في الهواء ساقطًا عليهم والنار محيطة بهم، وذلك مما اضطرهم إلى الإيمان، وبقاء التكليف ثابت عليهم، ومثلهم قوم يونس. ومحال أن يكونوا غير مكلفين. والله أعلم).
قلت: ولا شك أن التكليف قائم على كل بالغ عاقل، فإن الرسل عليهم الصلاة والسلام شاهدوا أمورًا أعظم من أتباعهم، وعاينوا الخوارق والأمور العظام، ولم يسقط عنهم التكليف.
وفي المسند وصحيح أبي داود والحاكم من حديث عائشة، عن النبي - ﷺ - قال: [رُفِع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المُبْتلى حتى يبرَأ، عن الصبي حتى يكبر] (١).
٥٧. قوله تعالى: ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٥٧)﴾.
في هذه الآية: شرع الله سبحانه يعدّد نعمه الكثيرة على بني إسرائيل بعدما ذكر جل ذكره ما دفعه عنهم من النقم، فمنها تظليل الغمام عليهم، وذلك أنهم كانت تظلهم سحابة إذا ارتحلوا. لئلا تؤذيهم حرارة الشمس، ومنها إنزال المن والسلوى تكرمة لهم.
والغمام جمع غمامة، كسحابة وسحاب. قال الفراء: (ويجوز غمائم وهي السحاب، لأنها تغمّ السماء أي تسترها، وكل مغطّى فهو مغموم، ومنه المغموم على عقله).
قال مجاهد: (﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ﴾، قال: هو بمنزلة السحاب). وقال: (ليس بالسحاب، هو الغمام الذي يأتي الله فيه يوم القيامة، لم يكن إلا لهم).
وقال السدي: (الغمام السحاب الأبيض).

(١) حديث صحيح. أخرجه أبو داود في أحاديث في السنن (٤٣٩٨)، (٤٤٠١) - (٤٤٠٣). وانظر صحيح الجامع (٣٥٠٧). والإرواء (٢٩٧). وصحيح أبي داود (٣٧٠١ - ٣٧٠٣)، (٣٦٩٨).


الصفحة التالية
Icon