وقوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾.
تعليل لما أنزله الله بهم من الذلة والمسكنة وإحلال الغضب، فقد استكبروا في الأرض عن اتباع الحق، وكفروا بآيات الله، وأهانوا حملة الشرع وهم الأنبياء وأتباعهم، وما زالوا ينتقصوهم حتى أقدموا على قتلهم، منكرين رسالتهم، جاحدين نبوتهم.
وقوله تعالى: ﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾. قال القرطبي: (تعظيم للشُّنْعة والذنب الذي أتوه).
وقال القاسمي: (وقوله ﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ لم يخرج مخرج التقييد، حتى يقال إنه لا يكون قتل الأنبياء بحق في حال من الأحوال، لمكان العصمة. بل المراد نعي هذا الأمر عليهم، وتعظيمه، وأنه ظلم بحت في نفس الأمر، حملهم عليه اتباع الهوى، وحب الدنيا، والغلو في العصيان، والاعتداء، كما يفصح عنه قوله تعالى ﴿ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ أي: جرّهم العصيان والتمادي في العدوان إلى ما ذكر من الكفر، وقتل الأنبياء عليهم السلام.
وقيل: كررت الإشارة للدلالة على أن ما لحقهم، كما أنه بسبب الكفر والقتل، فهو بسبب ارتكابهم المعاصي، واعتدائهم حدود الله تعالى. وعليه فيكون ذكر علل إنزال العقوبة بهم في نهاية حسن الترتيب. إذ بدئ أولًا بما فعلوه في حق الله تعالى وهو كفرهم بآياته. ثم ثُنِّي بما يتلوه في العظم، وهو قتل الأنبياء. ثم بما يكون منهم من المعاصي التي تخصهم. ثم بما يكون منهم من المعاصي المتعدية إلى الغير، مثل الاعتداء. وهذا من لطائف أسلوب التنزيل).
قلت: ولا شك أن الكبر أقبح ذنب عُصي الله به في الأرض، فهو الذنب الأول الذي اقترفه إبليس وحقت به عليه اللعنة إلى يوم القيامة، ومن ثَمَّ فهو بريد الكفر والشرك والكبائر والمعاصي وسائر الآثام. وقد جاءت السنة الصحيحة بما يدل على هذا في أحاديث:
الحديث الأول: روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود: [عن النبي - ﷺ - قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مِثْقال ذرَّة من كِبْر. قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثَوْبُه حَسَنًا، ونَعْلُهُ حَسَنة. قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكِبْرُ: بَطَرُ الحقِّ وغَمْطُ الناس] (١).