قال القرطبي: (وأصله الإعراض والإدبار عن الشي بالجسم، ثم استعمل في الإعراض عن الأوامر والأديان والمعتقدات اتساعًا ومجازًا).
وقوله: ﴿مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾.
أي: من بعد البرهان، وهو أخذ الميثاق ورفع الجبل، فنبذتموه وراء ظهوركم.
وقوله: ﴿فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.
أي: ولولا تفضّله سبحانه عليكم بالتوبة بعد نكثكم العهد وتجاوز ما كان منكم لهلكتم، والخطاب وإن كان لمن كان بين ظهراني مهاجر رسول الله - ﷺ - من أهل الكتاب، فإنما هو خبر عن أسلافهم، ويحمل في ثناياه تهديدًا للسامعين إن مضوا على سنة آبائهم.
وعن أبي العالية: (﴿فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾، قال: "فضل الله"، الإسلام، ﴿وَرَحْمَتُهُ﴾، القرآن).
٦٥ - ٦٦. قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (٦٥) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٦٦)﴾.
في هذه الآيات: يُذَكِّرُ الله سبحانه اليهود ما حل من البأس بأهل القرية التي عصت أمر الله باحتيالهم على ما أمروا به من تعظيم السبت وترك الصيد فيه، فتحيّلوا على اصطياد الحيتان في يوم السبت بما وضعوه لها من الحبائل والشصوص والبرك قبل يوم السبت، ليجمعوها بعد انقضاء السبت بغيًا ولعبًا على الشرع والأمر. فلما فعلوا ذلك مسخهم الله في صورة القردة، وجعلهم عبرة إلى يوم القيامة.
قال الحافظ ابن كثير: (وهي أشبه شيء بالأناسي في الشكل الظاهر، وليست بإنسان حقيقة. فكذلك أعمال هؤلاء وحيلهم لما كانت مشابهة للحق في الظاهر ومخالفة له في الباطن، كان جزاؤهم من جنس عملهم).
وقد ذكر الله سبحانه القصة أيضًا في سورة الأعراف حيث قال: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ


الصفحة التالية
Icon