شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}. فإلى ذكر بعض أقوال المفسرين:
١ - عن الضحاك، قال ابن عباس: (﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ﴾ يقول: ولقد عرفتم. وهذا تحذير لهم من المعصية. يقول: أحذروا أن يصيبكم ما أصاب أصحاب السبت، إذ عصوني، اعتدوا - يقول: اجترؤوا - في السبت. قال: لم يبعث الله نبيًّا إلا أمره بالجمعة، وأخبره بفضلها وعِظَمها في السماوات وعند الملائكة، وأن الساعة تقوم فيها. فمن اتبعَ الأنبياء فيما مضى، كما اتبعت أمةُ محمد - ﷺ - محمدًا، قبِل الجمعة وسَمع وأطاع، وعرف فصلها وثبت عليها، كما أمر الله تعالى به نبيّه - ﷺ -. ومن لم يفعل ذلك، كان بمنزلة الذين ذكر الله في كتابه فقال: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾. وذلك أن اليهود قالت لموسى - حين أمرهم بالجمعة، وأخبرهم بفضلها -: يا موسى، كيف تأمرنا بالجمعة وتفضلها على الأيام كلها، والسبت أفضل الأيام كلها، لأن الله خلق السماوات والأرض والأقوات في ستة أيام، وسَبَتَ له كل شيء مطيعًا يوم السبت، وكان آخر الستة؟ قال: وكذلك قالت النصارى لعيسى بن مريم - حين أمرهم بالجمعة - قالوا له: كيف تأمُرنا بالجمعة وأول الأيام أفضلها وسيِّدها، والأول أفضل، والله واحد، والواحد الأولى أفضل؟ فأوحى الله إلى عيسى: أن دعهم والأحدَ، ولكن ليفعلوا فيه كذا وكذا.- مما أمرهم به. فلم يفعلوا، فقص الله تعالى قصصهم في الكتاب بمعصيتهم. قال: وكذلك قال الله لموسى - حين قالت له اليهود ما قالوا في أمر السبت -: أن دعهم والسبت، فلا يصيدوا فيه سمكًا ولا غَيره، ولا يعملون شيئًا كما قالوا. قال: فكان إذا كان السبت ظهرت الحيتان على الماء، فهو قوله: ﴿إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا﴾، يقول: ظاهرة على الماء، ذلك لمعصيتهم موسى - وإذا كان غير يوم السبت، صارت صيدًا كسائر الأيام فهو قوله: ﴿وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ﴾. ففعلت الحيتان ذلك ما شاء الله. فلما رأوها كذلك، طمعوا في أخذها وخافوا العقوبة، فتناول بعضهم منها فلم تمتنع عليه، وحذِرَ العقوبَة التي حذّرهم موسى من الله تعالى. فلما رأوا أن العقوبة لا تحلّ بهم، عادوا، وأخبرَ بعضهم بعضًا بأنهم قد أخذوا السمك ولم يصبهم شيء، فكثَّروا في ذلك، وظنوا أن ما قال لهم موسى كان باطلًا. وهو قول الله جل ثناؤه: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ - يقول: لهؤلاء الذين صادوا السمك - فمسخهم الله قردة بِمعصيتهم).