٢ - وعن عكرمة، قال ابن عباس. (وكانوا في قرية بينَ أيْلة والطور يقال لها: "مَدْين". فحرّم الله عليهم في السبت الحيتان: صيدَها وأكلها. وكانوا إذا كان يومُ السبت أقبلت إليهم شُرَّعًا إلى ساحل بحرهم، حتى إذا ذهب السبت ذهبن. قال: حتى إذا طال عليهم الأمد وقَرِموا إلى الحيتان، عمد رجلٌ منهم فأخذ حوتًا سرًّا يوم السبت، فخرمه بخيط، ثم أرسله في الماء، وأوْتَدَ له وتدًا في الساحل فأوثقه، ثم تركه، حتى إذا كان الغدُ، جاء فأخذه - أي: إني لم آخذه في يوم السبت - ثم انطلق به فأكله. حتى إذا كان يوم السبت الآخر، عاد لمثل ذلك، ووجد الناسُ ريح الحيتان، فقال أهل القرية: والله لقد وجدنا ريحَ الحيتان! ثم عثروا على صنيع ذلك الرجل. قال: ففعلوا كما فعل، وأكلوا سرًّا زمانًا طويلًا، لم يعجل الله عليهم بعقوبة، حتى صادوها علانية وباعوها بالأسواق. وقالت طائفة منهم من أهل البقية (١): ويحكم! اتقوا الله! ونَهَوْهم عما كانوا يصنعون. وقالت طائفةٌ أخرى لم تأكل الحيتان، ولم تنه القوم عما صنعوا: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ﴾ لسخطنا أعمالهم - ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾. قال ابن عباس: فبينما هم على ذلك، أصبحت تلك البقية في أنديتهم ومساجدهم، وفقدوا الناس فلا يَرونهم. فقال بعضهم لبعض: إن للناس لشأنًا! فانظروا ما هو! فذهبوا ينظرون في دورهم، فوجدوها مغلقة عليهم، قد دخلوا ليلًا فغلّقوها على أنفسهم، كما يُغَلِّقُ الناس على أنفسهم، فأصبحوا فيها قردة، وإنهم ليعرفون الرجل بعينه وإنه لقرد، والمرأة بعينها وإنها لقردة، والصبي بعينه وإنه لقرد. قال: فلولا ما ذكر الله أنّه أنجى الذين نَهَوْا عن السوء، لقلنا أهلك الجميع منهم. قالوا: وهي القرية التي قال الله لمحمد - ﷺ -: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾).
٣ - وقال قتادة: (أحلت لهم الحيتان، وحُرِّمت عليهم يوم السبت بلاءً من الله، ليعلمَ من يطيعه ممن يعصيه. فصار القوم ثلاثة أصناف: فأما صنف فأمسك ونْهى عن المعصية، وأما صنف فأمسك عن حُرْمة الله، وأما صنف فانتهك حُرْمَة الله ومرد على المعصية. فلما أبوا إلا الاعتداء إلى ما نهوا عنه، قال الله لهم: ﴿كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾، فصاروا قردة لها أذنابٌ، تَعاوى، بعد ما كانوا رجالًا ونساءً).
٤ - وقال السدي - في الذين اعتدوا في السبت -: (فاشتهى بعضهم السمك، فجعل