قال ابن جرير: (وهذه الآية مما وبّخ الله بها المخاطبين من بني إسرائيل، في نَقْض أوائلهم الميثاق الذي أخذه الله عليهم بالطاعة لأنبيائه، فقال لهم: واذكروا أيضًا من نكْثكم ميثاقي، ﴿وَإِذْ قَال مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾ - وقومه بنو إسرائيل، إذ ادّارؤوا في القتيل الذي قُتل فيهم إليه - ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا﴾).
وقال ابن كثير: (يقول تعالى: واذكروا يا بني إسرائيل نعمتي عليكم في خرق العادة لكم في شأن البقرة، وبيان القاتل من هو بسببها، وإحياء الله المقتول، ونصه على من قتله منهم).
قال القرطبي: (البقرة اسم للأنثى، والثَّور اسم للذكر، مثل ناقة وجمل، وامرأة ورجل. وقيل: البقرة واحد البقر، الأنثى والذكر سواء. وأصله من قولك: بقَرَ بطنه، أي شقّه، فالبقرة تشق الأرض بالحرث وتثيره. ومنه الباقر لأبي جعفر محمد بن علي زين العابدين، لأنه بقَرَ العلم وعرف أصله، أي شقّه).
والقصة في ذلك - كما رواها ابن جرير - عن محمد بن سيرين، عن عبيدة السلماني قال: (كان في بني إسرائيل رجلُ عقيم - أو عاقر - قال: فقتله وليُّه، ثم احتمله فألقاه في سِبْط غير سبطه. قال: فوقع بينهم فيه الشر حتى أخذوا السلاح. قال: فقال أولوا النُّهى: أتقتتلون وفيكم رسول الله؟ قال: فأتوا نبي الله. فقال: اذبحوا بقرة).
وعن أبي العالية قال: (كان رجل من بني إسرائيل، وكان في غنيًّا ولم يكن له ولد، وكان له قريبٌ وارثَه، فقتله ليرثه، ثم ألقاه على مجمع الطريق، وأتى موسى فقال له: إن قريبي قُتل وأُتي إليّ أمرٌ عظيم، وإني لا أجد أحدًا يبيّن لي مَنْ قتله غيرك يا نبي الله. قال: فنادى موسى في الناس: أنشُدُ الله مَنْ كان عنده من هذا علم إلا بيّنَه لنا. فلم يكن عندهم علمه. فأقبل القاتل على موسى فقال: أنت نبي الله، فاسأل لنا ربك أن يبيِّنَ لنا. فسأل ربه، فأوحى الله إليه: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾. فعجبوا وقالوا: ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَال أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾، ﴿قَالوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَال إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ﴾ - يعني: لا هَرمة - ﴿وَلَا بِكْرٌ﴾ - يعني ولا صغيرة - ﴿عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ - أي: نَصف، بين البكر والهرمة - ﴿قَالوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَال إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا﴾ أي: صاف لونها - ﴿تَسُرُّ النَّاظِرِينَ﴾ - أي: تعجب الناظرين - ﴿قَالوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (٧٠) قَال إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ﴾ - أي: لم يُذللها العمل - ﴿تُثِيرُ الْأَرْضَ﴾ - يعني: ليست بذلول فتثير الأرض- ﴿وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ﴾ - يقول: ولا تعمل في الحَرْث -


الصفحة التالية
Icon