﴿مُسَلَّمَةٌ﴾ - يعني مسلَّمة من العيوب - ﴿لَا شِيَةَ فِيهَا﴾ - يقول: لا بياض فيها- ﴿قَالوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾. قال: ولو أن القوم حين أمروا أن يذبحوا بقرة، استعرضوا بقرة من البقر فذبحوها، لكانت إياها، ولكنهم شدّدوا على أنفسهم فشدد الله عليهم. ولولا أن القوم استثنوا فقالوا: ﴿وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ﴾، لما هُدوا إليها أبدًا. فبلغنا أنهم لم يجدوا البقرة التي نُعِتَتْ لهم، إلا عند عجوز عندها يتامى، وهي القيِّمة عليهم. فلما علمت أنهم لا يَزْكو لهم غيرها، أضعفت عليهم الثمن. فأتوا موسى فأخبروه أنهم لم يجدوا هذا النعت إلا عند فلانة، وأنها سألتهم أضعاف ثمنها. فقال لهم موسى: إن الله قد كان خفف عليكم فشدّدتم على أنفسكم، فأعطوا رضَاها وحُكمها. ففعلوا، واشتروها فذبحوها. فأمرهم موسى أن يأخذوا عَظْمًا منها فيضربُوا به القتيل. ففعلوا، فرجع إليه روحه، فسمّى لهم قاتله، ثم عاد ميتًا كما كان. فأخذوا قاتله - وهو الذي كان أتى موسى فشكى إليه - فقتله الله على أسوأ عمله).
وفي رواية السدي: (فقال: اذبحوها. فذبحوها فقال: اضربوه ببعضها. فضربوه بالبَضعةِ التي بين الكتفين، فعاشَ، فسألوه: من قتلك؟ فقال لهم: ابن أخي، قال: أقتله، وآخُذ ماله، وأنكح ابنته. فأخذوا الغلام فقتلوه).
وفي رواية عبيدة السابقة: (فضُرب، فأخبرهم بقاتله. قال: ولم تؤخذ البقرةُ إلا بوزنها ذهبًا، قال: ولو أنهم أخذوا أدنى بقرة لأجزأت عنهم. فلم يُورَّث قاتل بعد ذلك).
وفي رواية للسدي فيها تفصيل، قال: (كان رجل من بني إسرائيل مكثرًا من المال، وكانت له ابنة، وكان له ابن أخ محتاج، فخطب إليه ابن أخيه ابنته، فأبى أن يزوجه، فغضب الفتى وقال: والله لأقتلن عمي ولآخذن ماله. ولأنكحن ابنته، ولآكلن ديته. فأتاه الفتى وقد قدم تجّار في بعض أسباط بني إسرائيل، فقال: يا عم، انطلق معي فخذ لي من تجارة هؤلاء القوم، لعلي أن أصيب منها، فإنهم إذا رأوك معي أعطوني. فخرج العم مع الفتى ليلًا، فلما بلغ الشيخ ذلك السبط قتله الفتى، ثم رجع إلى أهله. فلما أصبح جاء كأنه يطلب عمه، كأنه لا يدري أين هو! فلم يجده. فانطلق نحوه، فإذا هو بذلك السبط مجتمعين عليه، فأخذهم وقال: قتلتم عمي، فأدّوا إليّ دِيَتَه، فجعل يبكي ويحثو التراب على رأسه، وينادي: واعمّاه. فرفعهم إلى موسى عليه السلام فقضى عليهم بالدية، فقالوا له: يا رسول الله، ادع لنا ربك حتى يبين لنا من صاحبه،