فيؤخذ صاحب الجريمة، فوالله إن ديته علينا لهينة، ولكنا نستحيي أن نُعَيَّر به، فذلك حين يقول تعالى: ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾، فقال لهم موسى عليه السلام: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾، قالوا: نسألك عن القتيل وعمن قتله، وتقول: اذبحوا بقرة. أتهزأ بنا! ﴿قَال أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾).
قال القرطبي: (في الآية دليل على منع الاستهزاء بدين الله ودين المسلمين ومن يجب تعظيمه، وأن ذلك جهل وصاحبه مستحق للوعيد).
٦٨ - ٧١. قوله تعالى: ﴿قَالوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَال إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (٦٨) قَالوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَال إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (٦٩) قَالوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (٧٠) قَال إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (٧١)﴾.
في هذه الآيات: وصف جدال بني إسرائيل موسى عليه السلام في شأن البقرة، وتعقيد أمرها حتى قابلهم الله تعالى بتعقيد أشد في شأنها.
قال ابن عباس: (لما قال لهم موسى: ﴿قَال أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾. قالوا له يتعنّتونه: ﴿قَالوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ﴾).
فلما تكلفوا جهلًا منهم ما تكلفوا، وكانوا أظهروا لموسى من سوء الظن به بقولهم ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا﴾ عاقبهم الله سبحانه بحصر نوع خاص من البقر ليذبحوا منه واحدة، وما زالوا يسألونه دقائق من التفصيل وهو يحصرها لهم ويزيدهم بذلك عناء.
فقال جل ذكره: ﴿إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ﴾.
وقوله: ﴿لَا فَارِضٌ﴾ أي: لا مُسِنَّةٌ هرمة. من (فرضت البقرة تفرِضُ فُروضًا) إذا أسنَّتْ. فإلى أقوال المفسرين في ذلك:
١ - عن مجاهد: (﴿لَا فَارِضٌ﴾، قال: لا كبيرة).