أخرج الإمام أحمد والطبراني بسند حسن عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - ﷺ - قال: [إياكم ومحقَّراتِ الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنَه، كرجُل كان بأرضٍ فلاةٍ فحضر صنيعُ القوم، فجعل الرجل يجيءُ بالعود، والرجل يجيء بالعود، حتى جمعوا من ذلك سَوادًا وأجَّجُوا نارًا فأنضجوا ما فيها] (١).
وله شاهد عندهما وعند البيهقي من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه بلفظ: "إياكم ومحقَّراتِ الذنوب، فإنما مثلُ محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن وادٍ، فجاء ذا بعُود، وجاء ذا بعودٍ، حتى حملوا ما أنضَجُوا به خبزهم، وإن محقّرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه] (٢).
وقوله: ﴿فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.
التأويل: لقد صار هؤلاء الذين آثروا ما يسخط الله من القول والعمل على ما يحبّ أصحابًا للنار لملازمتهم لأعمال أهلها الذين سيقيمون فيها.
قال ابن عباس: ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ أي: خالدون أبدًا). وقال السدي: (لا يخرجون منها أبدًا).
وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.
قال ابن عباس: (أي من آمن بما كفرتم به، وعمل بما تركتم من دينه، فلهم الجَنَّة خالدين فيها. يخبرهم أن الثواب بالخير - والشرِّ مقيم على أهله أبدًا، لا انقطاع له أبدًا). ولا شك أن أول من خوطب بهذه الآية هو النبي - ﷺ - وأصحابه.
وفي الصحيحين والمسند وبعض السنن عن أبي سعيد، عن النبي - ﷺ - قال: [إذا دخل أهل الجَنَّة الجَنَّة، وأهل النار النار، يُجاء بالموت كأنه كبش أملحُ، فيوقف بين الجَنَّة والنار، فيقال: يا أهل الجَنَّة هل تعرفون هذا؟ فيشرئِبُّون، فينظرون، ويقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، ثم ينادى: يا أهل النار هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون، فينظرون، فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، فيؤمر به

(١) حديث حسن. أخرجه أحمد في المسند (١/ ٤٠٢ - ٤٠٣)، وأخرجه الطبراني (١٠٥٠٠). وانظر صحيح الجامع -حديث رقم- (٢٦٨٤).
(٢) حديث صحيح. أخرجه أحمد والطبراني والبيهقي من حديث سهل بن سعد. انظر مسند أحمد (٥/ ٣٣١) والطبراني في الصغير (٩٠٤)، والمرجع السابق (٢٦٨٣).


الصفحة التالية
Icon