وقوله: ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾.
الخطاب موجه إلى اليهود من بني إسرائيل، وقد آتى الله موسى التوراة نعمة عظيمة منه سبحانه ليبين لهم طريق النجاة وسعادة الدنيا والآخرة، ثم تابع عليهم من بعده بالرسل، وآتى عيسى بن مريم البينات والحجج وأيَّده بروح القدس، ثم هؤلاء اليهود كلما جاءهم رسول بغير ما تهواه أنفسهم لجؤوا إلى البغي والتكبر والقتل.
قال الزمخشري: ﴿فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾: إنما لم يقل وفريقًا قتلتم؛ لأنه أراد بذلك وصفهم في المستقبل أيضًا؛ لأنهم حاولوا قتل النبي - ﷺ - بالسم والسحر).
ففي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: [كان النبي - ﷺ - يقول في مرضه الذي مات فيه: يا عائشة، ما أزال أجدُ ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوانُ وجدتُ انقطاعَ أبهَري من ذلك السُّم] (١).
وأصل الهوى الميل إلى الشيء، ويجمع على أهواء. قال القرطبي: (وسمّيَ الهوى هوىً لأنه يهوي بصاحبه إلى النار، ولذلك لا يستعمل في الغالب إلا فيما ليس بحق وفيما لا خير فيه، وهذه الآية من ذلك. وقد يستعمل في الحق، ومنه قول عمر رضي الله عنه في أسارى بدر: فَهَوِيَ رسول الله - ﷺ - ما قال أبو بكر ولم يَهْوَ ما قلت. وقالت عائشة للنبي - ﷺ - في صحيح الحديث: والله ما أرى ربك إلا يُسارع في هواك. أخرجهما مسلم).
وقوله: ﴿وَقَالوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾.
قرأها عامة القراء ﴿غُلْفٌ﴾ بتسكين اللام، في حين قرأها ابن عباس والأعرج وابن مُحَيْصِن ﴿غُلُفٌ﴾ وبضم اللام.
والمعنى إذا قرئت بسكون اللام كأنهم قالوا: قلوبنا في أكنَّةٍ وأغطية، فهي جمع أغلف، وهو الذي في غلاف وغطاء. فإلى ذكر من قال ذلك:
١ - قال ابن عباس: ﴿وَقَالوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾ أي: في أكنة). وقال: (أي: في غطاء).
وقال: (فهي القلوب المطبوع عليها). وقال السدي: (عليها غلاف، وهو الغطاء).
٢ - قال مجاهد: ﴿وَقَالوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾: عليها غشاوة).

(١) حديث صحيح. انظر صحيح البخاري -حديث رقم- (٤٤٢٨) - كتاب المغازي.


الصفحة التالية
Icon