وما ذهبوا إليه. وقوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾. قيل: قوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾ تمَّ ثم تستأنف بما بعده ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ يقولون آمنا بالمحكم والمتشابه كل من عند الله. وقيل: بل الراسخون يعلمون تأويله ومع علمهم يقولون آمنا به.
فقد رُوي عن ابن عباس قوله: (أنا ممن يعلم تأويله).
وروسوخ الشيء في الشيء ثبوته وولوجه فيه، كذا في لغة العرب، فكان منهجُ الراسخين في العلم في الأمة رد المتشابه إلى المحكم، وليس ضرب الآيات بعضها ببعض من غير علم، كما يقعل أهل الأهواء اليوم أو غير الراسخين من طلبة العلم.
يروي الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة وضي اللهُ عَنْهُ عن النبي - ﷺ - قال: [يكون في آخر الزمانِ دجّالون كذّابون، يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإيّاهم، لا يُضِلّونَكُم ولا يفتنونكم] (١).
فحذَّر صلوات الله وسلامه عليه من ظهور دعاة الخرافة والتفسير بالضلال والجهل القاصم، دون رسوخ في العلم وبقواعده وأصوله ذات الأسس والأركان والدعائم. فقد أخرج الإمامُ أحمد في المسند المسند صحيح عن عقبة بن عامر الجهني، قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: [هلاك أمتي في الكتاب واللّبن، قالوا: يا رسول الله ما الكتاب واللبن؟ قال: يتعلمون القرآن فيتأولونه على غير ما أنزل الله عز وجل، ويحبون اللَّبن فيدعون الجماعات والجمعَ، ويبدون] (٢). أى يذهبون إلى البادية والمراعي من أجل اللبن، كناية عن اهتمامهم بالدنيا أكثر من أمر الله والآخرة.
قال الإمام الطحاوي رحمه الله: (ولا نجادل في القرآن ونعلم أنه كلام رب العالمين، نزل به الروح الأمين، فعلمه سيد المرسلين محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وكلام الله تعالى لا يساويهِ شيء من كلام المخلوقين) (٣).
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي اللهُ عنْهُ أنه قال: [سمعت رجلًا قرأ آية سمعت رسول الله - ﷺ - يقرأ خلافها فأخذت بيده فانطلقت به إلى رسول الله - ﷺ -
(٢) حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (٤/ ١٥٥)، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (٢٧٧٨).
(٣) متن "العقيدة الطحاوية"، فقرة (٥٦).