فذكرت ذلك لهُ فعرفت في وجهه الكراهة وقال: كلاكما محسن، لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا] (١).
فلا نجادل في القرآن بإلقاء الشبهات كما يفعل أهل الزيغ ليدحضوا الحق، بل لا بد من التكلم بعلم ورسوخ عند مدارسته ومحاولة فهمه، وكذلكَ لا نجادل في القراءة الثابتة بل نقرؤه كما ثبت وصح، وقيل إن ترتيب السور لم يكن واجبًا عليهم منصوصًا، لذا فترتيب مصحف عبد الله غير الترتيب العثماني، أما ترتيب آيات السور فمنصوص عليه.
وقد بلغ الأمر أن يفسر للأمة اليوم قرآنها، متطرف له غاية أو مصلحة، أو معاصر لم يُتّهم يومًا بالعلم أو الصلاح، بل ماضيه ملطّخ بالفساد والجهل والتخبط والسفاح. فقد أخرج الإمام أحمد في المسند عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: [لقد جلست أنا وأخي مجلسًا ما أحب أن لي به حُمْرَ النَّعَمِ، أقبلت أنا وأخي وإذا مَشْيخة من صحابة رسول الله - ﷺ - جلوس عند باب من أبوابه، فكرهنا أن نفرق بينهم، فجلسنا حَجْرةً، إذ ذكروا آية من القرآن فتماروا فيها حتى ارتفعت أصواتهم، فخرج رسول الله - ﷺ - مُغْضبًا قد احمرّ وجهُهُ يرميهم بالتُراب ويقول: مَهْلًا يا قوم بهذا أُهْلِكَت الأمَمُ من قبلكم باختلافهم على أنبيائهم، وضربهمُ الكتبَ بعضها ببعض، إن القرآن لَمْ يَنْزِل يُكَذِّبُ بعضُه بعضًا، بل يُصَدّقُ بعضه بعضًا، فما عرفتم منهُ فاعملوا بهِ، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه] (٢).
واللهُ جل ثناؤه قد حرم على الأمة القول بغير علم. فقال في سورة الأعراف: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٣].
وقال في سورة الإسراء: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: ٣٦].
وقال في سورة الحج: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ
(٢) حديث حسن. أخرجه أحمد في المسند (٢/ ١٨١) ح (٦٦٦٣)، وإسناده حسن، للاختلاف المعروف في عمرو عن آبائه.