مُنِيرٍ (٨) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج: ٨ - ٩].
وفي الصحيحين عن عائشة عن النبي - ﷺ - قال: [إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم] (١).
وفي جامع الترمذي عن أبي أمامة قال: قال رسول الله - ﷺ -: [ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليهِ إلا أوتوا الجدل ثم تلا: ﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا﴾] (٢).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مقدمة التفسير: (يجب أن يُعْلَمَ أن النبي - ﷺ - بين لأصحابه معاني القرآن كما بين لهم ألفاظه، فقوله تعالى: ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ يتناول هذا وهذا، وقد قال عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن: كعثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود وغيرهما، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي - ﷺ - عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا، ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة، وقال أنس: كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جل في أعيننا، وأقام ابن عمر على حفظ البقرة عدة سنين، قيل ثمان سنين ذكره مالك. قال: وذلكَ أن الله تعالى قال: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ وقال: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾، وقال: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾ وتدبر الكلام بدون فهم معانيه لا يمكن. وكذلكَ قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ وعقل الكلام متضمن لِفهمه).
قلت: فمنهج التفسير للقرآن عند الراسخين في العلم يتضمن القواعد والأصول التالية:
أولًا: تفسير النص بالنص: فقوله سبحانه: ﴿طه (١) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾ يفسره قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾.
وقوله جل ثناءه في سورة إبراهيم: ﴿الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ يشبه قوله تعالى في سورة الشورى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ
(٢) حديث حسن. أخرجه الترمذي (٣٢٥٣)، وابن ماجة (٤٨)، وأحمد (٥/ ٢٥٢).