تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} قوله في سورة المائدة: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾. قال شيخ الإسلام: (فكان القرآن هو الإمام الذي يُقتدى به ولهذا لا يوجد في كلام أحد من السلف أنه عارض القرآن بعقل ورأي وقياس ولا بذوق ووجد ومكاشفة، ولا قال قط قد تعارض فيهِ هذا العقل والنقل فضلًا عن أن يقول: فيجب تقديم العقل).
ثانيًا: تفسير القرآن بالحديث:
فقوله سبحانه في سورة الصف: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾. يفسره ما في صحيح مسلم عن أسامة بن زيد رضي اللهُ عَنْهُ قال: سمعتُ رسول الله - ﷺ - يقول: [يؤتى بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار فتندلق أقتاب (١) بطنهِ فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان ما لك! ؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ ! فيقول: بلى، كنت آمرُ بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عَنْ المُنْكَر وآتيه] (٢).
قال شيخ الإسلام رحمه الله: (ومما ينبغي أن يعلم أن القرآن والحديث إذا عرف تفسيره من جهة النبي - ﷺ - لم يُحْتَجْ في ذلكَ إلى أقوال أهل اللغة، فإنه قد عرف تفسيره وما أُريدَ بذلك. ثم قال: ولهذا قال الفقهاء: الأسماء ثلاثة أنواع: نوع يعرف حده بالشرع كالصلاة والزكاة، ونوع يعرف حده باللغة كالشمس والقمر، ونوع يعرف حدّه بالعرف كلفظ القبض ولفظ المعروف في قوله: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾. قال: ولم يكن السلف يقبلون معارضة الآية إلا بآية أخرى تفسرها وتنسخها، أو بسنة الرسول - ﷺ - تفسرها، فإن سنة رسول الله - ﷺ - تبين القرآن وتدل عليه وتعبر عنه وكانوا يسمون ما عارض الآية ناسخًا لها.
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٨/ ٢٢٤) - كتاب الإمارة، وانظر مختصر صحيح مسلم (١٢٣٨)، باب: في الذي يأمر بالمعروف ولا يفعله.