قلت: وقد ثبت في السنة الصحيحة نزول هذه الآياتِ بعد مناظرة جرت بين اليهود وبين رسول الله - ﷺ - في أمر نبوته، وفي ذلك أحاديث:
الحديث الأول: أخرج الإمام أحمد والطبراني بسندٍ حسن عن ابن عباس قال: [أقبلت يهودُ إلى رسول الله - ﷺ - فقالوا: يا أبا القاسم، إنا نسألك عن خمسة أشياء، فإن أنبأتنا بهنَّ عرفنا أنك نبي واتَّبَعْناك. فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه إذ قال: ﴿وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾. قال: "هاتوا". قالوا: أخبرنا عن علامة النبي؟. قال: تنام عيناه ولا ينام قلبه. قالوا: أخبرنا كيف تُؤنِّثُ المرأة وكيف تذكر؟ قال: يلتقي الماءان، فإذا علا ماءُ الرجل ماءَ المرأة أذكرت، وإذا علا ماءُ المرأة ماء الرجل أنثت. قالوا: أخبرنا ما حرَّم إسرائيل على نفسه؟ قال: كان يشتكي عِرْقَ النَّسا، فلم يجد شيئًا يلائمه إلا ألبان كذا وكذا - قال أحمد: قال بعضهم: يعني الإبل - فحرَّم لحومها، قالوا: صدقتَ. قالوا: أخبرنا ما هذا الرعد؟ قالْ مَلَكٌ من ملائكة الله عز وجل، موكَّلٌ بالسحاب، بيده - أو في يده - مِخْراقٌ من نار يَزْجُرُ به السحاب، يسوقُه حيث أمره الله تعالى. قالوا: فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال: صوته. قالوا: صدقت. قالوا: إنما بقيت واحدة، وهي التي نبايعك إن أخبرتنا بها، فإنه ليس من نبي إلا وله ملك يأتيه بالخبر، فأخبرنا من صاحبك؟ قال: جبريل عليه السلام. قالوا: جبريل ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال والعذاب عَدُوُّنا، لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والقَطْرِ والنبات لكان، فأنزل الله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ إلى آخر الآية" (١).
الحديث الثاني: أخرج الإمام أحمد والطيالسي والبيهقي بسند حسن عن شهر بن حوشب عن ابن عباس، أنه قال: [حضرتْ عصابة من اليهود رسولَ الله - ﷺ -، فقالوا: يا أبا القاسم، حدّثنا عن خِلالٍ نسألك عنهنّ، لا يعلمهن إلا نبيّ. فقال رسول الله - ﷺ -: سَلُوا عما شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمّة الله وما أخذ يعقوبُ على بنيه، لئن أنا حدَّثتُكم شيئًا فعرفتموه لتتابِعنّي على الإسلام. فقالوا: ذلك لك. فقال رسول الله - ﷺ -: سلوني عما شئتم. فقالوا: أَخبرنا عن أربع خلال نسألك عنهن، أخبرنا أيّ الطعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة؟ وأخبرنا كيف ماء المرأة وماء الرجل؟ وكيف