أنزلنا إليك يا محمد علاماتٍ واضحات دالّات على نُبوّتك. وتلك الآياتِ ما حَواه كتابُ الله الذي أنزله إلى محمد - ﷺ - من خفايا علوم اليهود ومكنون سرائر أخبارهم وأخبار أوائلهم من بني إسرائيل، والنبأ عما تضمنته كتبهم التي لم يكن يعلمها إلا أحبارهم وعلماؤهم، وما حرفه أوائلهم وأواخرهم وبدّلوه، من أحكامهم التي كانت في التوراة. فأطلعها الله في كتابه الذي أنزله على نبيه محمد - ﷺ -. فكان، في ذلك من أمره، الآياتِ البينات لمن أنصف نفسه، ولم يدْعُهُ إلى إهلاكها الحسدُ والبغي. إذ كان في فطرة كل ذي فطرة صحيحة، تصديقُ من أتى بمثل الذي أتى به محمد - ﷺ - من الآياتِ التي وصفتُ، من غير تعلُّم تعلَّمه من بشر، ولا أخذ شيء منه عن آدمي).
قال ابن عباس: ﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ يقول: فأنت تتلوه عليهم، وتخبِرُهم به غدُوةً وعشيةً وبين ذلك، وأنت عندهم أميّ لم تقرأ كتابًا، وأنت تخبرهم بما في أيديهم على وجهه. يقول الله: ففي ذلك لهم عبرة وتبيان، وعليهم حجة لو كانوا يعلمون).
وقوله تعالى: ﴿وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ﴾.
يعني: ما يجحد بهذه الدلائل البينات على صدقك ونبوتك إلا الخارج من هؤلاء الأحبار عن دينه.
وقوله تعالى: ﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾.
قال ابن عباس: (قال مالك بن الصيف - حين بعث رسول الله - ﷺ -، وذكر ما أخذ عليهم من الميثاق، وما عهد الله إليهم فيه -: والله ما عهد إلينا في محمد - ﷺ -، وما أخذ له علينا ميثاقًا! فأنزل الله جل ثناؤه: ﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾).
قال القرطبي: (أوكلما: الواو واو عطف، دخلت عليها ألف الاستفهام كما تدخل على الفاء في قوله: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾، ﴿أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ﴾، ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ﴾. وعلى ثُمّ كقوله: ﴿أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ﴾ هذا قول سيبويه). والتقدير: وَإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور... قالوا: سمعنا وعصينا، وكلما عاهدوا عهدًا نبذه فريق منهم.
وقال ابن جرير: (وأما "النَّبْذُ" فإن أصله - في كلام العرب - الطَّرْح... ومنه سمي