وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي - ﷺ - قال: [إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول ما صنعتَ شيئًا، ويجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله، فيدنيه منه ويقول: نِعْمَ أنت] (١).
وله شاهد عند ابن حبان من حديث أبي موسى الأشعري بإسناد صحيح عن النبي - ﷺ - قال: [إذا أصبح إبليس بث جنوده، فيقول: من أضلَّ اليوم مسلمًا ألبستُه التاج، فيخرج هذا فيقول: لم أزل به حتى طلق امرأته، فيقول: أوشك أن يتزوج. ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى عقَّ والديه، فيقول: يوشك أن يَبَرَّهما. ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى أشرك، فيقول: أنت أنت، ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى قتل، فيقول: أنت أنت ويلبسه التاج] (٢).
وقوله: ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾.
قال سفيان الثوري: (إلا بقضاء الله). وقال محمد بن إسحاق: (إلا بتخلية الله بينه وبين ما أراد).
وقال الحسن البصري: (نعم، من شاء الله سلطهم عليه، ومن لم يشأ الله لم يُسلط، ولا يستطيعون ضرَّ أحد إلا بإذن الله، كما قال الله تعالى). وفي رواية عن الحسن قال: (لا يضر هذا السحرُ إلا من دخل فيه).
وقوله: ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ﴾.
قال القرطبي: ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ﴾ يريد في الآخرة وإن أخذوا بها نفعًا قليلًا في الدنيا. وقيل: يضرهم في الدنيا، لأن ضرر السحر والتفريق يعود على الساحر في الدنيا إذا عثر عليه؛ لأنه يُؤدَّب ويُزجَر، ويلحقه شؤم السحر).
وقوله: (﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾.
قال ابن عباس: (من نصيب). وقال قتادة: (وقد علم أهل الكتاب فيما عهد إليهم: أن الساحر لا خلاق له في الآخرة). وقال الحسن: (ليس له دين). وقال ابن جريجٍ:

(١) حديث صحيح. انظر صحيح مسلم (٢٨١٣)، ومسند أحمد (٣/ ٣١٤)، (٣/ ٣٣٢).
(٢) حديث صحيح. أخرجه ابن حبان في صحيحه (رقم - ٦٥)، وانظر صحيح الجامع -حديث رقم- (١٥٢٢)، وكتابي أصل الدين والإيمان (٢/ ١٣٤٥) لتفصيل البحث في أساليب الشيطان.


الصفحة التالية
Icon